البقاع الشمالي في عين العاصفة

05:492014/07/23
A
|
A
|







للجغرافيا أن تكون نعمة أو نقمة. قبل الأزمة السورية كان لأهل التماس اللبناني في البقاع الشمالي الكثير من الحكايات اليومية مع جيران حدودهم الشمالية والشرقية. حكايات مجبولة بالخبز والفقر والتعليم والتجارة والتهريب. اليوم، وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة، اختلفت الحكاية، صارت الجغرافيا لعنة وتغيرت أدوار المقيمين عند جانبي الحدود، تبعاً لاعتبارات كثيرة، بينها أن ما يجري هناك يأتي في إطار إعادة رسم نفوذ دول وقوى في المنطقة.اللعنة أصابت المنطقة المتنوعة دينياً وديموغرافياً وسياسياً. المنطقة التي نجت إلى حد ما من لوثة التصادم الطائفي طوال عشرين عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية، تجد نفسها اليوم في فم التنين السوري من جهة، وشرارة قد تشعل نيران الفتنة الداخلية من جهة ثانية.تمخض الاستثمار السياسي في موقع عرسال، بيضة القبان السنية في البقاع الشمالي، وعلى الفم السوري لناحية حمص والقصير من جهة، ودمشق من جهة ثانية، عن وجود ما لا يقل عن خمسة آلاف مسلح في الجرود التي تمتد على مساحة نحو سبعين كيلومتراً، من القاع في حوض نهر العاصي إلى معربون في قضاء بعلبك، والمفتوحة على سرغايا السورية، على مرمى حجر من الزبداني، كتف العاصمة السورية.ومع تأكيد أهالي عرسال على خروج مواد غذائية تكفي لنحو ثلاثين ألف نسمة في الجرود يومياً، يصبح عديد المسلحين هناك قابلاً للازدياد، مع الأخذ في الاعتبار وجود آلاف النازحين المدنيين.قبل نحو أسبوعين، خرج «حزب الله» يستعرض جيشه وسلاحه في قرى البقاع الشمالي. استفز المشهد كثراً، فالسلوك غير مألوف، والزمن ليس زمن استعراضات في وقت تستعر فيه اللوثة المذهبية، ومع احتمال تحول كل تجمع حزبي إلى هدف لانتحاري من هنا أو هناك.تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى وقود لنار الشائعات حيناً، وبعض الحقائق والتسريبات حيناً آخر عن مخاطر تتهدد قرى المنطقة الملاصقة للجرود. ولا يمر يوم إلا وينتشر «سيناريو» جديد لمواجهة هنا أو هناك، وسط قلق أهلي كبير ومتصاعد يوميا.في السياسة والأمن، صار واضحاً تسليم أهل المنطقة، على اختلاف انتماءاتهم، بشراكة «حزب الله» والجيش اللبناني في الحفاظ على الحدود وأمن الناس. تسليم لم يمنع المواطنين المسكونين بهاجس تسلل المسلحين وتهديدهم العلني باستهداف القرى الشيعية والمسيحية الملاصقة للحدود، من السعي إلى التسلح الفردي على قاعدة «حق الدفاع عن النفس».فالحسابات التي اشتغلت باكراً على التركيبة الديموغرافية لمنطقة حوض العاصي، لم تكن عبثية. أدرك اللاعبون الرئيسيون أهمية الورقة العرسالية، بغض النظر عن أمن «العراسلة» ومصالحهم وعلاقتهم بمحيطهم الطبيعي.ورقة ما زالت «ملعوبة» حتى الآن، وعليه، شاء الممسكون بقرار المسلحين الفارين من القلمون السوري نحو الجرود السورية واللبنانية في السلسلة الشرقية نقل المواجهة نحو الداخل اللبناني، لذلك تظهر الأهمية الإستراتيجية والعسكرية لقطع الطريق أمام تمكين «داعش» وأخواتها من التموضع وتحقيق امتداد دولتهم في العراق وسوريا وكل الريف الحمصي وصولا الى القصير وبعض البقاع الشمالي.. والشمال اللبناني.وبعد العجز عن دفع المنطقة إلى مواجهة مذهبية على خلفية مصادرة الجرد العرسالي وتحويله إلى ممر للسيارات المفخخة والأحزمة الانتحارية الآتية من القلمون السوري نحو المناطق الشيعية اللبنانية، ومحاولة تصوير عرسال وأهلها كبيئة حاضنة للإرهاب الموجه إلى أهلهم في المحيط، ارتفعت التهديدات بمهاجمة القرى الشيعية والمسيحية انطلاقاً من الجرود التي تحتفظ عرسال بنحو أربعين كيلومترا منها.ولم تقتصر مصادرة أمن الناس في البقاع الشمالي على محيط عرسال. لا بل ان الأخيرة تدفع اليوم الثمن الأكبر لما يجري. ولا تقتصر أزمة هذه البلدة التي احتضنت النازحين السوريين في منازلها، على محاولة دفعها والمحيط إلى مواجهة قاتلة، بل ان المسلحين صادروا أمنها الذاتي وأمن أهلها الذين يبحثون اليوم عن مخرج من المأزق ـ الكارثة. فقد قتل المسلحون ما يزيد عن أربعة «عراسلة» حتى الآن، أحدهم تم إعدامه في منزله في قلب البلدة، وخرج هؤلاء يكبّرون ويطلقون الرصاص ابتهاجاً بالدم العرسالي المهدور.ومع المسلحين الذين يبدون للعيان في الجرد الموصول بعرسال بين بلدة الفاكهة ورأس بعلبك، وبالتحديد في النقطة الفاصلة بين خرخونة ومار كولا، وبالتزامن مع البيانات التي هددت المسيحيين وكنائسهم مباشرة، تصدّر مشهد تهجير المسيحيين من الموصل العراقية المخيلة المسيحية وهواجسها. هواجس تلتقي مع الأمن العرسالي المفقود، ومع مخاوف سكان المنطقة من سنة وشيعة على حد سواء.الجيش اللبناني، الذي لا يملك أي سيطرة على جرود عرسال، ويقتصر وجوده على ستة حواجز حول البلدة، عزز انتشاره في المنطقة، وبالتحديد من منطقة النبي عثمان إلى رأس بعلبك بثلاث كتائب إضافية من اللواء الثامن الذي يضم ست كتائب، فيما كثف دوريات الفوج المجوقل في عرسال نفسها. أما من القاع إلى الهرمل، فقد تم تعزيز فوج الحدود الذي هو أصغر من لواء.. وأكبر من كتيبة.وبرغم اطمئنان الأهالي إلى تعزيز انتشار الجيش، إلا أن الواقع الميداني بعد معركة القلمون والتهديدات المتتالية وانكشاف تفاصيل خطة تسلل المسلحين الى بعض قرى البقاع الشمالي، في إطار ما أسميت «خطة ليلة القدر»، فاقم المخاوف.الإرهاب الذي يمارسه المسلحون في المعارك أو ممارساتهم الفردية، كل ذلك جعل الأهالي في القرى المسيحية والسنية والشيعية ينحون في اتجاه التسلح الفردي لمساندة الجيش من جهة، و«سرايا المقاومة» التي تشكلت من تلاوين مختلفة من جهة ثانية، ولسان حال الأهالي «لن ندع المسلحين يذبحوننا في أسرّتنا أو يحتجزوننا رهائن لمبادلتنا بأسرى «القاعدة» في رومية».أهمل أهل البقاع الشمالي فقرهم ونسوا الإهمال التاريخي لمنطقتهم. سهت عن أولوياتهم ينابيعهم ال ...


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني