الأزمة اللبنانية مفتوحة و”هجمات” القاع المجرمة “انذار مبكر”

10:342016/07/04
A
|
A
|

 

دافيد عيسى- كاتب سياسي

كلما طال امد الحرب السورية كبر الخطر المحدق بلبنان وازداد وضعه انكشافاً ومأزقه رسوخاً، هذه هي المعادلة التي تحكم الوضع في لبنان، وهذا هو الوضع الهشّ الدقيق الذي نعيشه دون لف ودوران.

كل المؤشرات تدل الى ان الأزمة السورية طويلة وطويلة جداً، وطالما ان الامور كذلك فان البركان السوري سيبقى يقذف بحممه تجاهنا، وسيبقى وطننا يعيش والى ان يقضي الله امرآ كان مفعولا لحظات حساسة وحرجة وصعبة ودقيقة وفي بعض الاحيان “دموية”.

  • فشل فرص الحل السياسي في سوريا واسبابه.
  • فرصة الحل السياسي التي لاحت في جنيف انتهت قبل ان تبدأ وتعثرت قبل انطلاقتها، ولم تحصل اي مفاوضات مباشرة بين طرفي الأزمة (النظام والمعارضة)، وصارت استقالة المبعوث الدولي ستيفان دو مستورا هي المطروحة ليلتحق بسلفيه الأخضر الإبراهيمي وكوفي انان.
  • الحرب في سوريا تجددت بشكل اكثر عنفاً وشراسة بعدما تبيّن ان خطوط الحل لم تُرسم بعد على الأرض السورية وان الامور تتجه الى اعادة رسم خارطة جغرافية جديدة للمنطقة.

– روسيا ليست متحمّسة لمزيد من التورط في سوريا وللدخول في “افغانستان” ثانية، وهذا ما يظهر بشكل واضح من خلال مؤشرات كثيرة اهمها تفضيل “التنسيق السياسي” مع واشنطن وتركيا  على “التنسيق العسكري” مع ايران.

–  ادارة الرئيس اوباما ادارت ظهرها للأزمة السورية وحصرت اهتماماتها بالإنتخابات الأميركية الرئاسية ورحّلت كل الملف السوري الى الرئيس الأميركي الجديد.

– العلاقات بين ايران والسعودية تتدهور وتسير من سيء الى اسوأ، وثمة وقائع وتطورات كثيرة تدل الى هذا المنحنى والتأزم، كان آخرها الإصطدام الحاصل في البحرين والذي ادّى الى تأجج الصراع “السني-الشيعي” في المنطقة، وانهيار مفاوضات الكويت بشأن اليمن، وتضارب المصالح في العراق، ومقاطعة ايران لموسم الحج … الخ.

– الانعكسات على الداخل اللبناني.

في خضمّ هذه الصورة الإقليمية المليئة بالتهديدات والتعقيدات والمشاكل، يصبح الرهان على حل الأزمة الوطنية في لبنان سراباً لا يستند الى أساس واقعي، وبالتالي تظل الأزمة في لبنان مفتوحة ومكشوفة، فلا سقفاً زمنياً وسياسياً يحكمها طالما لم يُعرف بعد متى تنتهي الحرب السورية وتضع اوزارها ولم تحدد بعد ملامح ومعالم سوريا الجديدة ومستقبلها كدولة ونظام سياسي، والنتيجة تكون ان لا انتخابات رئاسية حتى اشعار آخر وان التسوية السياسية التي على اساسها سيُنتخب رئيس جديد للجمهورية لم تنضج ظروفها ولم يحن اوانها بعد.

واما المبادرات السياسية التي تُطلق تحت اسم “دوحة لبنانية” تارة، ووفق مفهوم “السلة الواحدة المتكاملة” تارة اخرى فليست اكثر من مناورات لتقطيع الوقت الضائع لكنها عقيمة ولن تصل الى نتيجة.

  • الازمة في لبنان اكبر من كل الطبقة السياسية.

في الواقع صارت الأزمة اكبر من كل القيادات والأحزاب، وصار السياسيون مسيّرين لا مخيّرين وفاقدين للتأثير والإرادة والقرار، وصار لبنان جزءاً من معادلة اقليمية مقفلة وشديدة الوطأة، وصارت اقصى الطموحات واقربها الى الواقع هو منع الحريق السوري من التمدّد الى لبنان حاملاً معه الإرهاب والعنف والتطرّف.

  • هجمات القاع المجرمة والارهابية.

 اللهيب السوري بات يلفح الأراضي اللبنانية عبر الحدود الشرقية، والأزمة السورية تصدر الإرهاب الى لبنان بأبشع اشكاله، هذا ما حدث بالامس بصورة مجرمة وهمجية في بلدة القاع البلدة الحدودية المسيحية الوادعة والأبية، والتي تعرضت لهجمات انتحارية ارهابية مجرمة وغادرة.

لكن ما رأيناه لدى ابناء القاع من شجاعة ورباطة جأش وتصميم على مواجهة الإرهاب والتفاف حول الجيش لهو موضع تقدير واعتزاز لدى كل اللبنانيين عموماً الذين يعرفون تمام المعرفة ان القاع ورأس بعلبك وعرسال واللبوة والهرمل وكل البلدات الحدودية هي التي تشكل خط الدفاع الأول عن لبنان وعاصمته وشعبه، وانه متى سقطت الأطراف سقط المركز ومتى تعطلت الأعضاء الحيوية تعطل كل الجسم واصابه العطب والشلل.

وما شهدناه لدى الجيش اللبناني من اقدام وسرعة تحرك على الأرض ابقى الوضع تحت السيطرة خصوصاً مع مسارعة قائد الجيش العماد جان قهوجي الى تفقد الوضع ميدانياً ليلحق به كل المسؤولين على كافة المستويات، من شأنه ان يعزز الثقة والإطمئنان ويمدّ اهل القاع والبقاع الشمالي بأسباب الصمود وقدرة المواجهة.

  • المطلوب على الصعيد الوطني.

هذا كله جيد ولكنه ليس كافياً، فالخطر الذي نواجهه هو استثنائي وغير معهود فيما التعاطي السياسي والرسمي معه عادي ومألوف. ومن الواضح اننا امام مرحلة جديدة، مرحلة امنية ارتفعت فيها درجة المخاطر والتحديات، وحتى لا نغرق في نظريات وما يتخطى الواقع وما يفوق القدرات والأمكانات فإن المطلوب في هذه الأوقات العصيبة :

  • توفير كل الدعم السياسي والمادي واللوجستي والتقني للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لأن الإستثمار الأمني هو الأجدى والأكثر مردوداً ولأن الإستقرار الأمني هو في اساس كل استقرار آخر اقتصادياً كان ام اجتماعياً ام سياسياً، من هنا المطلوب الشروع في حملة اتصالات دولية لتسليحه كمّاً ونوعاً، وتأمين مستلزمات الحرب على الإرهاب.
  • من خلال هيئة الحوار ومن خلال الحكومة. المطلوب وضع خطة متكاملة لمعالجة تداعيات مسألة النازحين السوريين وحصر مضاعفاتها واخطارها الأمنية الإجتماعية ومنع تحوّل مخيمات النازحين الى بؤر وجزر امنية وقاعدة انطلاق للإرهاب.
  • المطلوب على الصعيد المسيحي.

– تمتين اواصر الوحدة المسيحية وتعميم عملية المصالحة والتعاون والتنسيق لتصبح شاملة. والمقصود تحديداً ايجاد اطار حوار وتشاور دائم بين كل القوى المسيحية وخصوصاً بين الأحزاب الأربعة الأساسية: التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب والمردة.

فإذا لم يتحقق هذا اللقاء الجامع لن يكون بالإمكان تحسين الوضع المسيحي وتحصيل حقوق المسيحيين واستعادة دورهم الفاعل والمؤثر ولن يكون بالإمكان مواجهة الإرهاب والتصدّي له بروح معنوية عالية ملؤها الثقة والإطمئنان.

فإذا كان دور الدولة اساسياً في حماية المسيحيين وصيانة امنهم ووجودهم وهذه مسؤوليتها وواجباتها، فإن الحماية تكون ايضآ عبر وحدة الصف واستراتيجية صمود ودفاع، والثقة تكون بالذات اولاً قبل ان تكون ثقة بالآخرين او بالدولة، وسيكون النجاح حليفهم اذا احسنوا التصرف واذا وحدوا صفوفهم ونسّقوا مواقفهم وافكارهم. واذ ذاك لن يكونوا ضحايا صراعات الآخرين ولا تحصل صفقات وتسويات على حسابهم.   


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني