حسن سلامة – الديار
يصادف يوم 31 آب الحالي الذكرى الـ 39 لاختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وحتى الان لا تزال هذه القضية الوطنية والعربية يكتنفها الغموض، جراء ما فعله النظام السابق في ليبيا بقيادة معمر القذافي، وما اعلنه مسؤولون في هذا النظام في السنوات الاخيرة بعد سقوط القذافي ونظامه.
بداية، وقبل الدخول في جديد التحقيقات الاتصالات حول مصير الامام الصدر ورفيقيه بعد مقتل القذافي، لا بد من التوقف عند جملة حقائق قد لا يعرفها كثيرون من الرأي العام او اللبنانيين، وهي ان الصدر يشكل شخصية بارزة في الفكر السياسي من حيث الشعارات التي رفعها والتي مارسها طوال حياته، فكان شعاره الدائم مقاومة الاحتلال الاسرائىلي ورفض كل اشكال التطبيع معه من جهة والعمل على انهاء الحرب الاهلية في لبنان، حتى انه اصبح رمزا للمقاومة ضد العدو الاسرائىلي ومن اجل العيش المشترك في لبنان.
ورغم كل الجهود والمساعي التي بذلت خلال عهد القذافي لمعرفة مصير الامام الصدر ورفيقيه الا ان هذا النظام اصرّ عن سابق تصميم وتصور لاعداد «مسرحيات» حول سفر الصدر ورفيقيه الى ايطاليا واختفائهم بعد هذه المغادرة مع ان كل الوقائع العملية والقضائىة بما في ذلك التحقيقات التي حصلت من الجانب الايطالي اثبتت ان الامام لم يغادر ليبيا.
لكن بعد انهيار نظام القذافي اعاد من جديد تحريك الاتصالات والقضاء من اجل معرفة مصير الامام الصدر، على الرغم من تضارب المعلومات والتصاريح عن ما تبقى من مسؤولي هذا النظام حيث لم تكشف تصاريح عدد من هؤلاء المسؤولين عن خطف نظام القذافي صراحة للامام الصدر او اي معلومات مؤكدة عن مصيره فجاءت مواقف هؤلاء متناقضة بدءا مما اعلنه مستشار سيف الاسلام القذافي محمد اسماعيل من ان الامام الصدر قتل بعد مشادة مع والده وان جثته القيت في البحر وان السلطات الليبية كذبت حين قالت انه غادر ليبيا الى ايطاليا، بينما قال محمد بلقاسم الزري الذي كان يتولى رئاسة مؤتمر الشعب العام خلال العهد السابق انه بعد وصول الصدر الى ليبيا اتصل بالتلفزيون الليبي وطلب منه تكثيف المقابلات مع الامام وعندما ذهب وفد من التلفزيون الى الفندق جرى تبليغه انه غادر وحينها خرجت تصريحات عن اختفائه.
في حين كشف هنيبعل القذافي امام القضاء اللبناني مؤخرا ان عبد السلام جلود الذي كان يعدّ الرجل الثاني في نظام القذافي الاب هو العقل المدبر لجريمة اغتيال الصدر ورفيقيه وان مسؤول ليبي تنكّر بزي الامام الصدر وسافر الى ايطاليا، ويقال ان جلود يقيم اليوم في الدوحة.
في كل الاحوال ماذا يقول المعنيون في القضية، عن مسار ما حصل ويحصل حول قضية الامام الصدر في الفترة الاخيرة؟
النائب هاني قبيسي اكتفى بالقول ان لا جديد في ملف الامام الصدر ورفيقيه ان ما يتعلق بالتحقيقات او الاتصالات مع المسؤولين الليبيين الحاليين ولاحظ ان الواقع الحالي في ليبيا لا يبشر بالخير فهناك اكثر من جهة رسمية واحدة تتخذ القرار وهناك من يتهرب من القضية وهناك من لا يستطيع اتخاذ القرار ولا توضح معلومات تفصيلية واحدة حول هذه القضية، مشيرا الى ان كل فريق سياسي في ليبيا يضع المسؤولية عند الطرف الاخر وبالتالي لا شيء واضح او محدد حتى الان، ومنذ سقوط نظام معمر القذافي.
اما مقرر لجنة المتابعة الرسمية لقضية الامام الصدر ورفيقيه القاضي حسن الشامي فأوضح لـ «الديار» قائلا: ان الوضع الامني صعب جدا في ليبيا فهناك ثلاث حكومات ومجلسي نواب وهناك صراعات قوية بين كل هذه الاطراف. اضاف، اخر زيارة قمنا بها الى ليبيا كان في اذار عام 2016 حيث كان هناك حكومة واحدة، واكد اننا نشكو دائما بأن هناك باستمرار محاولات لإعادة القضية لنقطة الصفر حيث تعود التحقيقات في كل مرة الى المربع الاول وعلى الرغم من وجود موقوفين في السجون الليبية على ذمة اختفاء الصدر ورفيقيه وبين هؤلاء ضباط كبار. واشار الى ان عملنا كلجنة هو عمل اقرب الى العمل الحكومي وليس فقط عمل قضائي حيث يمكن ان نقابل اي شخص مسجون او مدعى عليه من خلال النائب العام الليبي.
وقال: انه جرى توقيع مذكرة تفاهم مع الجانب الليبي عام 2012 تتضمن تأكيدا بأن اللجنة اللبنانية المعنية يمثلها القاضي الشامي، بينما يتمثل الجانب الليبي بالنائب العام وباستمرار يتم تبادل للمعلومات الامنية او القضائىة حيث يحصل كل ذلك عبر الطرق الشرعية والمعنية.
اضاف انه في كل الاتصالات التي حصلت خلال السنة الاخيرة وقبل ذلك خلال الزيارات الى طرابلس الغرب، لم يثبت اي من الدلائل والتقارير والمعلومات والقرائن حصول اي سوء للامام الصدر ورفيقيه وان هناك الكثير من الروايات بهذا الخصوص وبعضها يتحدث انه لم تتم تصفية الامام، وبعضها الاخر يتحدث عن حصول تصفية له ولرفيقيه فمثلا مستشار سيف الاسلام القذافي يقول «لقد دعونا الامام الصدر لأكل السمك «الله» بينما هنيبعل القذافي يقول بحسب ما يملك من معلومات «انه جرى وضع الامام الصدر في منزل في احد ضواحي طرابلس لمدة سنتين ومن ثم جرى نقله الى مكان اخر، بينما رئيس المجلس الانتقالي الاول في ليبيا محمد يوسف المقرّف، ابلغني عندما كان في الحكم اننا اوقفنا التحقيق بعد ان وصلنا الى مرحلة خطرة لا استطيع ان ابوح بها… وان هناك لبنانيين متورطين في هذه القضية، لذلك لا رواية واضحة ومحددة حول مصير الامام الصدر لكن القاضي الشامي اوضح انه في اكثر من مرة جرى التوصل الى خيوط معينة لكن في كل مرة كان يصار الى اعادة الامور الى نقطة الصفر، جراء ظهور خيوط مناقضة للاولى.
اضاف انه في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا، خاصة في السنة الاخيرة حيث هناك انقسامات حول الشرعية والمؤسسات الحاكمة تحصل لقاءات كل شهر او شهرين في احدى الدول، خاصة الجزائر او مصر او تونس او موريتانيا او تركيا واخر مرة جاء وفد ليبي معني بقضية الامام الصدر الى لبنان وانه جرى اتصالات ولقاءات مع عدد كبير من قيادات النظام الليبي كانوا في الحكم خلال عهد القذافي الاب وبين هؤلاء هنيبعل القذافي الذي تبين انه يملك الكثير من المعلومات حول هذا الملف، لكنه امتنع عن الافصاح عن كل ما لديه من معلومات الا بعد اطلاق سراحه ولذلك جرى الادعاء عليه بجرم كتم المعلومات.
ويقول القاضي الشامي: لا شك اننا غير راضين عن مسار التجاوب مع القيادات الليبية التي عايشت عهد القذافي الاب وطبيعة التعاطي مع الاجهزة الرسمية القائمة اليوم في ليبيا لان هنك بطء غير مبرر بخصوص التحقيقات فحتى في خلال زيارتنا التي قمنا بها الى طرابلس لم تكن الاجواء مريحة كما يجب للوصول الى نتيجة واضحة في هذه القضية ويؤكد ان كل القرائن التي جرى التوصل اليها لا تؤكد حصول وفاة للامام الصدر ورفيقيه بل اننا نطلب لمن لديه اي اثبات حول مصير الامام ان يقدم هذا الاثبات، ولذلك لا يمكن اقفال الملف بعكس ما يسعى له البعض من اجل الحلول على منافع مالية لأن هناك قواعد واصول لا يمكن ان نتخلى عنها حتى يتم معرفة مصير الامام طالما هو غير موجود بيننا.
اما مسؤول الاعلام المركزي في حركة «امل» بلال حاطوم فيقول ان الوضع في ليبيا ليس في افضل احواله، وبالتالي قبل تبيان كيفية تعامل النظام الليبي الاسبق مع الامام ورفيقيه فلا اقفال لهذا الملف، واضاف ان هناك تعقيدات كبيرة اليوم في الاتصالات التي تحصل مع الدولة الليبية لكن الشيء الاكيد الذي اظهرته كل التحقيقات ان الامام الصدر بقي في ليبيا ولم يغادر الى ايطاليا، وبالتالي فمسؤولية اختطافه تقع على القذافي ونظامه.
واوضح ان قضية الامام الصدر قضية حية ودائمة وقضية متابعة مستمرة من قيادة الحركة بدءا من الرئيس نبيه بري وبكل المفاصل الاساسية التي تؤدي الى معرفة مصير الامام الصدر بما ان هناك المجلس العدلي الذي يتابع القضية وكل ذلك من اجل معرفة كل معلومة تسهم بحل الغموض المحيط بهذه القضية. وأشار اخيرا الى ان كل الاستعدادات قائمة لانجاز المهرجان الكبير الذي تقيمه حركة «امل» بالذكرى الـ 39 لتغييب الامام الصدر ورفيقيه.
في كل الاحوال فبعد 39 عاما من اختفاء الامام الصدر لا زال محبو وجمهور واسع من اللبنانيين بدءا من حركة «امل» يأملون ان يكون الصدر ورفيقيه لا زالوا احياء او على الاقل تبيان حقيقة ما حصل لهم على ايدي نظام معمر القذافي.



