الثابت الوحيد هو التغيير

14:322017/11/02
A
|
A
|

فؤاد مخزومي

أتقدم بالشكر للجامعة اللبنانية الأميركية لمنحي فرصة المشاركة في هذه المناسبة الرائعة، يسرّني دائماً التواجد هنا بينكم.
كما كان يردد نجلي المرحوم رامي “إن الثابت الوحيد هو التغيير”.
ها قد أتممتم مرحلة من حياتكم وبتم على مشارف الحياة العملية. ونحن ندرك أن التعليم واحد من أهم الاستثمارات التي يقوم بها المرء، إذا لم يكن أهمها على الاطلاق. وهو كذلك المفتاح الأساسي لتحقيق المساواة بين الجنسين وخفض معدلات الفقر من أجل بناء كوكب مستديم. إن التعليم هو العملة الجديدة التي تستخدمها الأمم حفاظاً على التنافسية الاقتصادية والازدهار العالمي.
فعلى مدى العقدين الماضيين، دعمت من خلال مؤسسة مخزومي طيفاً واسعاً من البرامج التعليمية والتدريبية، إلى جانب برامج التوعية حول عدد كبير من المواضيع. وما “منحة مخزومي للدراسات اللبنانية” التي أطلقت عام 2009 في جامعة ألبرتا في كندا و”كرسي رامي مخزومي لحوكمة الشركات” عام 2011 في كلية العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت و”جوائز القيادة والتميُّز السنوية” التي أطلقت عام 2012 في مدرسة انترناشونال كولدج، و”منحة مؤسسة مخزومي للمبادرات الصناعية” التي أنشئت في جامعة الإمارات عام 2014، و”مركز فؤاد مخزومي للإبتكار” الذي تأسس عام 2016 هنا في الجامعة اللبنانية الأميركية، إلا نماذج حيَّة على تصميمي على تشجيع الإنجاز العلمي بأوسع وأفضل طريقة ممكنة.
إن التغييرات التي طرأت على عدد السكان والعمر والعرق والإثنية أثرت كلها على موارد الرعاية الصحية اللازمة وتكلفة الرعاية المقدمة، وحتى الظروف المرتبطة بكلّ شريحة سكانية. لذا يتعين على مؤسسات الرعاية الصحية التأقلم بسرعة لتلبية حاجات المرضى، فيما تعالج متطلبات الإصلاح الصحي.
يضمّ عالمنا اليوم حوالى مئة وثمانية ملايين طفل و604 ملايين راشد يعانون من البدانة التي تسببت في العام 2015 وحده بأربع ملايين حالة وفاة، ناجمة بمعظمها عن أمراض القلب والشرايين (ما يمثّل 7.1 في المئة من إجمالي الوفيات للمسببات كافة).
لقد أثبت أن أمراض القلب والشرايين المرتبطة بارتفاع مؤشر كتلة الجسم هي المسؤولة الأولى عن الوفيات، تليها أمراض الكلى. ففي العام 2015، بلغت نسبة الأطفال المصابين بالبدانة 5 في المئة، فيما بلغت نسبة الراشدين الذين يعانون من البدانة 12 في المئة، حيث تبين أن معدلات البدانة ترتفع إلى الحدّ الأقصى لدى الشريحة العمرية من عمر خمسين سنة وما فوق، وهي أعلى لدى النساء بالمقارنة مع الرجال من الشرائح العمرية كافة، وتشكل مصدر قلق عام يتعيّن مراقبته ومكافحته.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، تضاعفت معدلات البدانة في العالم حوالى ثلاث مرّات منذ العام 1975. فمعظم سكان العالم يعيشون اليوم في دول حيث الوزن الزائد والبدانة يسببان وفيات أكثر من نقص الوزن، لكن الأهم هو القدرة على الوقاية من البدانة.
ما عادت الكثير من الدول، ومن بينها الولايات المتحدة وكندا، تصب تركيزها على توفير الرعاية في نقاط الخدمة فحسب، بل تتبع نهجاً أوسع يقوم على التركيز على الترويج للصحة العامة وصحة السكان والمقاربات الفردية، بغية تحقيق هدف أساسي هو تحسين النتائج الصحية.
يمكن للتغذية السيئة أن تلحق الضرر بصحتنا وسلامتنا وتحدّ من قدرتنا على عيش حياة سعيدة ونشطة، كما أنها المسبب الرئيسي للأمراض لدى الأطفال والمراهقين والمتقدمين في السنّ. وترتفع كلفة علاج هذه الأمراض، فمثلاً تبلغ الفاتورة الاستشفائية في لبنان ما بين 10 و12 في المئة من قيمة الناتج الإجمالي المحلي. فيما ارتفع الإنفاق الصحي للفرد من 361 دولاراً في العام 1995 إلى 569 دولار في العام 2014، بما يشمل خدمات الرعاية الصحية (الوقائية والعلاجية)، وتنظيم الأسرة، والأنشطة الغذائية والإسعافات الأوليّة. أمّا العوامل التي تسبب معظم الوفيات وحالات العجز في البلاد فتشمل ارتفاع مؤشر كتلة الجسم والتدخين وارتفاع ضغط الدم والحميات الغذائية، إلى جانب أمراض القلب التي تعتبر المسبب الرئيسي للوفيات بنسبة 59.4 في المئة.
إن 64 في المئة من مدخول المستشفيات الخاصة مصدره القطاع العام، وتقع نسبة 30 في المئة من هذا التمويل على عاتق وزارة الصحة وحدها، فيما وصل الدين العام في لبنان إلى 78 مليار دولار. بالتالي، علينا تغيير المقاربة المعتمدة والتوجه نحو الصحة الوقائية لتخفيض كلفة الفاتورة الصحية. وهنا تلعبون أنتم الدور الأساسي، وتصبحون أنتم القادة. كما كان رامي يردد دائماً: “القيادة مسؤولية لا حق”.
بحسب الإحصاءات توزع السكان في لبنان منذ بداية عام 2017 وفق الفئات العمرية التالية:
-1,479,089 : دون الـ15 سنة (757,588 من الذكور/ 721,500 من الإناث) أي ما نسبته 23 في المئة
– 4,373,517: بين 15 و64 سنة (2,128,092 من الذكور/ 2,245,425 من الإناث) أي ما نسبته 68 في المئة
– 580,237: 64 سنة وما فوق (268,697 من الذكور/ 311,475 من الإناث) أي ما نسبته 9 في المئة
تبلغ نسبة الإعالة العمرية الإجمالية في لبنان 47.1 في المئة، إذ يظهر أن نسبة الأشخاص المعالين هم أقل من نصف الجزء العامل. بمعنى آخر، على القوى العاملة في لبنان تأمين السلع لنفسها وتغطية إنفاق الأطفال والمتقدمين في السن. ويشكل هذا الجزء من السكان أقل من 50% من الفئة العاملة. إلى ذلك، جزء كبير من السكان يواجهون مصاعب كبيرة لتوفير الحدّ الأدنى للأجور البالغ 450 دولارا.
إن التوجه السائد في مجال الرعاية الصحية يتيح نشر الوعي من الداخل ومعالجة المشاكل قبل حدوثها. وفي ما يتعلق بالغذاء ودوره في الطبّ الوقائي، يصف العديد من الناس الأنظمة الغذائية الصحية بـ”العلاج الغذائي”. وهنا تلعبون أنتم دوراً أساسياً في توجيه نحو حياة صحية. لذا فليكن طعامك دواءً في الصغر كي لا يصبح الدواء طعامك في الكبر.
سواء توجهتم نحو البحوث أو التعليم أو الطبّ العيادي أو العمل المجتمعي، عليكم دائماً ابتكار مقاربات خلاقة غير مستهلكة. اسعوا دائماً لتكونوا روّاداً ومبدعين وحتى مخترعين إذا أمكن.
لقد أطلقت مؤسسة مخزومي هذا العام برنامج شراكة مع برنامج التغذية في الجامعة اللبنانية الأميركية للتدريب على التغذية المجتمعية. وأنتم طبعاً نواة هذا البرنامج على المستوى المجتمعي… وما هذه إلا البداية.
نصيحتي لكم هي ألا تنسوا تعداد انجازاتكم وتوثيق قصص نجاحكم. من هنا ستدركون مسؤولياتكم، فوحده المسؤول يترك بصمةً في حياتنا. لذا اتخذوا ابتداءً من هذه اللحظة القرار لتكونوا أنتم مقدمي الرعاية الصحية المسؤولين. فمن أجل أن نصبح محلّ ثقة يجب أن نكون كفوئين ونستثمر وقتنا ووقت الآخرين بفعالية. كونوا واضحين حيال ما يجب القيام به ومتى… فكروا بوعي وواقعية واعطوا الناس الإجابات الشافية. لقد تخرجتم من هذه الجامعة الرائدة مصقولين بموارد وخبرات هائلة، فاستفيدوا وافيدوا منها قدر الإمكان وألهموا من حولكم ومكنوهم.
يقع على عاتقنا جميعنا تحسين الوضع في بلدنا.. فليتعاون معنا كل من يسعى للنهوض بلبنان لأن هذا هدف يستحق جهودنا المشتركة. فلنبذل جهدنا كي نبني مستقبلاً مشرقاً لأولادنا وأحفادنا، لأن وطننا وشعبنا يستحقون الأفضل.
اسمحوا لي أن أختم كلمتي بجملة لابني رامي “كلّ ما لدينا إرث، الإرث هو أن تعيش حياتك وتجعل عالمك مكاناً أفضل.”
وكما قال الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت “الإنسان الوحيد الذي يخطئ هو الإنسان الذي لا يفعل أي شيء!”.
أنا أؤمن بالتغيير… أنا أؤمن بقوة الشباب وأؤمن بهذا البلاد… “لبنان حرزان”.


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني