حساب عمليات التدخل الخارجية وتعقيداتها المتعاظمة

06:032014/05/27
A
|
A
|







هوبير فيدرين - في غضون العقود الأخيرة،تولت دول غير غربية مهمات تدخل عسكري خارج حدودها. فتدخلت الهند في بنغلادش وسريلانكا، وفيتنام في كمبوديا، وليبيا في تشاد، وروسيا في جورجيا والقرم على نحو غير مباشر، وتدخلت رواندا في جمهورية الكونغو الديـموقراطية، وإسرائيل في لبنان والعراق وسورية وغزة، والعراق في الكويت، وتركيا في قبرص... إلخ. ومنذ نهاية الاتحاد السوفياتي، في 1989 - 1991، عمد الغرب إلى التدخل، ولجأ إليه المرة تلو المرة، من غير أن يخاف عدواً على قياسه.وتحرر من معيار السيادة بذرائع إنسانية تارة وبذريعة القانون الدولي تارة ثانية. والغربيون لم يتدخلوا في الحروب الأهلية اللبنانية أو الجزائرية، ولا في يوغوسلافيا عامي 1991 و1995، شأنهم في معظم الحروب الأهلية أو الإقليمية بأفريقيا (أنغولا وموزامبيق ومنطقة البحيرات الكبرى والصومال وإريتريا وليبيريا وكيفو والسودان... إلخ). وأحجموا عن الانخراط في سورية أو في القرم، كما فعلوا في الشيشان وشينغيانغ والتيبت والشرق الأدنى.في المحصّلة، تدخّل الغربيون في عشرة بلدان. فبادر بلد واحد إليه، أو بادرت إليه دولٌ مجتمعة إما تلقائياً، وإما بتكليف من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة: في رواندا، بوجه أوغندا والجبهة الوطنية الرواندية، وفي الكويت بوجه العراق عام 1991 (الولايات المتحدة ومعها تحالف غربي وعربي عريض)، وفي الصومال (الولايات المتحدة تولت عملية «إعادة الأمل»)، وفي رواندا في حزيران 1994 (فرنسا لأسباب إنسانية)، في كوسوفو عام 1999 (الغربيون في وجه ميلوسوفيتش)، في سيراليون في 2000 - 2002 (بريطانيا لإطفاء حرب أهلية)، في أفغانستان عام 2001 (ابتدأت الولايات المتحدة العملية في سبيل إسقاط «طالبان»، ثم تولى تحالف دول مع الناتو تأمين البلد وإعماره)، في العراق عام 2003 (حاربت الولايات المتحدة وبريطانيا صدام حسين)، في ليبيا عام 2011 (استبقت فرنسا وبريطانيا مجزرة في بنغازي)، بمالي في 2013 (أوقفت فرنسا الجهاديين)، بأفريقيا الوسطى مطلع 2014 (استبقت فرنسا حرباً أهلية).وإلى هذه الأعمال العسكرية، أوكل المجلس الأوروبي عام 2008 إلى دول متطوعة مكافحة القرصنة في المحيط الهندي (عملية «أطالانت»)، وبعض العمليات الموضعية في أفريقيا، خصوصاً في جمهورية الكونغو الديموقراطية، تحت لواء الأمم المتحدة.وصودف أن مسرح معظم هذه العمليات بلدان إسلامية، في أفريقيا أو الشرق الأوسط، وعلى نحو ثانوي في البلقان، وأن المبادرين إليها هم الولايات المتحدة وبريطانيا و/ أو فرنسا، وشاركت دول غربية في بعضها مشاركة موضعية. وفرنسا بين أكثر الدول أو أشدها تدخلاً. وقد يعود ذلك إلى احتذائها، وقتاً طويلاً، على مثال تعتقد نخبها أنه يلزمها بالاضطلاع بـ «مهمة كونية» وعمومية. وبعض العمليات نفذته دول تلقائياً، ولم تلتمس من مجلس الأمن إذناً أو ضوءاً أخضر، أو لم تحصل على موافقة مجلس الأمن التي طلبتها: مثل الولايات المتحدة في العراق عام 2003، وقبلها فرنسا في تشاد، في 1985 - 1986 (بوجه القذافي)، وبرواندا وأوغندا في أيار 1990 (استباق الحرب الأهلية). لكن معظم العمليات أقر في إطار مجلس الأمن، أو باركه المجلس بعد بعض التردد. وفي صدارتها حرب التحالف الدولي ضد العراق لدى احتلاله الكويت في 1991. وفي هذا الباب كذلك تحصى العمليات الفرنسية – البريطانية أو الفرنسية في 2011 و2012 و2014، في ليبيا ومالي وجمهورية الكونغو الديموقراطية، إلى عملية «توركواز» في رواندا (1994) والحرب في أفغانستان عام 2001.وتتميز الحرب الغربية بكوسوفو عام 1999 بهجنتها: فهي شنت في أعقاب 18 شهراً من المفاوضات غير المجدية تبعها مؤتمر الفرصة الأخيرة وقراران دوليان تحت الفصل السابع دانا عمل ميلوسوفيتش (والاستفزازات الألبانية) ولم يجيزا استعمال «كل الوسائل المتاحة»، كناية عن اللجوء إلى القوة. واعتادت الدول الغربية إلباس عملياتها حلة التدخل نيابة عن المجتمع الدولي وبتكليف منه. وهذه حالها حين تُجمِع الدول الخمس الكبرى عليها صراحة. وغالباً ما سوّغت الدول تدخلها أمام الجناح المتحمس من الرأي العام (الإعلام، الجمعيات غير الحكومية، والمثقفين المتصدرين)، والجمهور العريض المتحفظ، بدواعٍ وأسباب أمنية عسكرية أو أخلاقية: فشددت على ضرورة ألا ترضخ لما لا يجوز الرضوخ له، وعلى إلحاح لمعاقبة العدوان الصريح والوقح، وهذا حين لا تتصدى لـ «هتلر جديد»، ولا ترفض «ميونيخ مرة أخرى» أو تقوم على حراسة قيمنا، إلخ.واليوم، في أعقاب سنوات على معظم هذه العمليات، هل يصدق القول أنها بلغت غاياتها، المتفرقة والمتفاوتة أصلاً؟ في 1991، طرد التحالف العراق من الكويت، وأقر الإمارة على سيادتها، وحالت عملية كوسوفو في 1999 دون استمرار الانتهاكات الصربية، لكنها أدت، من جهة أخرى، إلى تجاوز الاستقلال الذاتي الذي يعتد به و «تخطيه إلى سيرورة استقلال كوسوفو استقلالاً تاماً وناجزاً تقع التبعة عنه على عاتق ميلوسوفيتش وعناده. وأنهت بريطانيا الحرب الأهلية في سيراليون.وبدا أن العملية الفرنسية الوقائية برواندا عام 1990 بلغت غايتها وهي فرض المساومة السياسية التي أسفرت عنها اتفاقات أروشا في 1993، غير أن اغتيال الرئيس الرواندي هابياريمانا في 6 نيسان 1994 قوّض مساعي الأعوام الأربعة السابقة، على رغم أن عملية «توركواز»، في حزيران 1994، أنقذت كثيرين من الناس. وأنجزت العملية الأميركية بأفغانستان في 2001 مهمتها الأولى، وهي القضاء على نظام «طالبان» الذي حمى «القاعدة»، أما «سيرورة الإنشاء الوطني» (أو «بناء الأمة»)، وهي الهدف التالي للعملية الأميركية والدولية، فلم تكن من غير شك في المتناول.وفي 2003، وسع الأميركيين سحق صدام حسين بيسر، لكنهم عجزوا عن الحؤول دون امتداد الفوضى التي مهدت الطري ...


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني