حتى لا يُضرَب رشيد الصلح مرتين (المرة الأولى حاولها أمين الجميل عام 1973)

10:032014/06/28
A
|
A
|







جاد ابو جودة- قد يكون من المفيد التذكير بأن رشيد الصلح هو رئيس الحكومة التي رعت أول انتخابات نيابية على عهد الوصاية السورية سنة 1992. ومن المهم الإشارة إلى أن تلك الحكومة هي التي وضعت الحجر الأساس لتهميش المسيحيين في لبنان من خلال عملية "ديمقراطية" شارك فيها 13 في المئة من الشعب اللبناني، وأوصلت إلى المجلس النيابي نواباً بأربعين صوتاً فقط، مارسوا دورهم كاملاً لأربع سنوات، فشرعوا القوانين، ومنحوا الثقة لحكومات ندفع ثمن ارتكاباتها إلى اليوم. غير أن الأهم من كل ذلك هو أن الذي توفي أمس هو رئيس حكومة حرب لبنان. الحرب التي اتخذت من 13 نيسان 1975 تاريخاً رمزياً لانطلاقها، علماً أن بذورها نثرت في أرض الوطن منذ نشوء "دولة إسرائيل" عام 1948، مروراً بحرب الأيام الستة، الحرب العربية- الإسرائيلية الثالثة سنة 1967، التي تلاها تكاثر السلاح الفلسطيني، وارتفاع منسوب التخاذل اللبناني إزاء التعاطي الجدي مع الخطر النامي.لا نقصد طبعاً بالربط بين رئاسة الحكومة واندلاع الحرب، تحميل الرئيس الراحل رشيد الصلح مسؤوليتها، ففي ذلك إذا حصل، كمٌّ كبير من الإجحاف والظلم والجفاء مع الواقع والحقيقة. غير أن ما تعيده إلى الأذهان وفاة رشيد الصلح، هو ذاك الجو اللبناني الذي نشأ وكبر على وقع تزايد انتهاك السيادة الوطنية من جانب السلاح الفلسطيني، رافضاً تكليف الجيش صون الاستقلال وحفظ السيادة عبر فرض الأمن وضبط السلاح الفلسطيني الفالت، انطلاقاً من اعتبارين: الأول طائفي ضد المسيحيين، ولاسيما الموارنة الممسكون بمفاصل السلطة. أما الثاني فمن عالم آخر، يطرح مطالب غير قابلة للتحقيق، متخيلاً مجتمعاً غير موجود، وطارحاً تحولات جذرية لا يمكن أن تتم بالقوة، أو بين يوم ويوم.من هنا توالت الأزمات، حيث منع رشيد كرامي تشكيل حكومة جديدة لأشهر على عهد الرئيس شارل حلو، ولم تنته الأزمة إلا بتشريع السلاح الفلسطيني عبر اتفاق القاهرة الذي وقعه ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني العماد إميل بستاني عام 1969، ليعود الجو نفسه إلى فرض اتفاق فندق ملكارت سنة 1973، وصولاً إلى الحرب الشهيرة التي انتهت إلى لا شيء. ومن هنا أيضاً، رفض الصلح تحميل السلاح الفلسطيني أي مسؤولية في اندلاع الحرب، فخضع له من جهة، وتعرض لاعتداء من سطوة السلاح الكتائبي من جهة أخرى، حيث تعرض له أمين الجميل داخل مجلس النواب بمحاولة ضرب شهيرة. أما في عصرنا الحاضر، فتغير اللاعبون، لتبقى اللعبة هي إياها. الجو السني السابق الذي عبرت عنه القيادات السنية إبان الحرب، ولاسيما رؤساء الحكومات والروحيون، عبر عنه حتى أمس القريب، أي عشية تشكيل الحكومة الحالية، تيار المستقبل. وجو "الحركة الوطنية اللبنانية"، التي طرحت يومها مطالب بعيدة من الواقع، نطقت به قوى 14 آذار، التي رفضت منح الجيش الغطاء اللازم بين سنتي 2011 و2014 للتعامل بحزم مع الإرهاب، ما سمح بانفلاش لا سابق له للمتطرفين التكفيريين، من عبرا إلى عكار، مروراً بطرابلس وعرسال وسواها من المدن والبلدات التي للتيار المذكور ولقوى 14 آذار نفوذ فيها. رحم الله الرئيس رشيد الصلح، الذي نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته، غافراً له ولطبقة كاملة من السياسيين في لبنان، ممارسات أفضت إلى حروب، بعد ضرب المواثيق، والاستهتار بالثوابت. تلك هي الحقيقة، ومن يقول العكس إنما يهادن أو يمالق أو يكذب... أو يضرب الرئيس رشيد الصلح مرتين.


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني