نادية التركي - للمرة الأولى يتحدث حمادي الجبالي عن الدور الذي لعبه شخصيا والذي لعبته «النهضة» في {الثورة} التونسية، وإسقاط نظام بن علي، وأكد أن دور الحركة كان محوريا، وأنهم ساهموا إلى حد كبير في تحريك الشارع وتأجيج الشرارة التي أطلقها محمد البوعزيزي.كما عرض الجبالي للتعاون والتنسيق الذي كان بينه وبين قيادات الأحزاب المعارضة الأخرى مثل المنصف المرزوقي، الرئيس الحالي لتونس، ونجيب الشابي الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي، وحمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حاليا. وأكد الجبالي على أن استقالته من {النهضة} هي بالأساس بسبب منهجية العمل التي ينتهجها الحزب والتي لا تتوافق مع قناعاته، كما أن بعض الخلافات بين أطراف من الحزب وضعته في موقف لا يريد أن يكون فيه.وعن استقالته من الحكومة فقد أعادها الجبالي إلى فشله في إقناع أحزاب الترويكا بما فيهم النهضة بالانفتاح وقبول وزراء مستقلين وكفاءات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.في 2006 خرجت من السجن الصغير إلى السجن الكبير، كنت أشعر بالبؤس المقنع، وأحسست أن بن علي أخرجني من السجن للتخلص من الضغوط.مرحلة 2006 إلى 2009 كانت صعبة جدا في تاريخ تونس، وكان بن علي تحت ضغوط داخلية وخارجية، وكنت أتوقع أن عهده لن يطول لكن لم أتوقع أن ينتهي بهذه السرعة، توقعت أن تسير الأمور على طريقة رسم بياني أي أن يتطور الموضوع مع الوقت، كنت أرى أن الوضع في تونس يتجه نحو طريق مسدود، وأنه لا مجال للحريات، ولا للإبداع، وليست هناك أيضا تنمية، لأن التنمية لا يمكن أن تتحقق تحت الكبت والحصار وتوقعت أن يسقط حسني مبارك أيضا لكن كنت أستبعد سقوط القذافي، لأن ليبيا كانت تتمتع بإمكانات مادية كبيرة، وسوريا كنت أستبعد الثورة أيضا فيها، لكن توقعت قيامها في تونس ومصر.كانت السنوات الثلاث الأولى بعد خروجي من السجن صعبة جدا، وداخل {النهضة» خاصة كنا مشتتين بين الداخل والخارج موزعين، محاصرين في أعمالنا وعائلاتنا تتعرض لمضايقات.لكن في السنتين الأخيرتين أو سنة ونصف قبل سقوط بن علي المعارضة بدأت أتحرك، وكنت شخصيا ناشطا لكن علي العريض وزياد الدولاتي كانا يعملان بشكل أكبر، وكنت أسبوعيا أتنقل إلى تونس العاصمة، من مكان إقامتي وهو مدينة سوسة.وقد اختارتني الحركة منذ خروجي من السجن لمنصب المشرف الداخلي ورجعت أعمل، وكانت الحركة تنشط داخليا بعقد اجتماعات، ولكن ماديا واجتماعيا كنا منهكين، كان ممنوعا على كل من خرجوا من السجون العمل، لكن عملنا في ذلك الوقت على تنظيم البيت الداخلي وكنت من المشرفين عليه.وعشت في تلك الفترة الكثير من المغامرات، فكانت الحراسة على باب بيتي ليلا نهارا، لكن أحيانا كان من يحرسون البيت ينامون في السيارة.فكنت أتربصهم من وقت لآخر خاصة قبل الفجر لأرى مكان السيارة، وإن كان الحراس نائمين أو مستيقظين لأخرج من باب آخر فكنت أتقنص اللحظات للخروج وأقصد محطة القطار، فلم يكن ممكنا استعمال سيارتي لأنه يجري إبلاغ الجهات الأمنية عني، وكنت أتنقل إما بالقطار، أو بسيارات أجرة بين المدن والتي يتعاون الكثير من سائقيها في ذلك الوقت مع الشرطة وأصبح وجهي مألوفا ولم أعد أعتمد التنكر كما في بداية عملي حيث كنت ألبس باروكة وأغير شكلي تماما، في هذه المرحلة أصبحت أعتمد على نظارات شمسية وقبعة فقط، فكنت متحفزا طول فترة انتظار انطلاق السيارة فأصبحت أتواصل مع أحد الشباب في الحركة وأطلب منهم الجلوس في السيارة إلى أن أصل ثم يعطيني مكانه. وفي القطار تفطن لي البوليس السري عدة مرات، وأعلموا عني فكنت أجد الشرطة في انتظاري في محطة القطار في تونس فأصبحت أنزل في منطقة برج السدرية (على مشارف العاصمة) حيث أجد سيارة من جماعتنا في انتظاري.وكانت تنقلاتي إلى العاصمة بشكل خاص لحضور اجتماعات، غالبا ما كانت خاصة بالمكتب التنفيذي أو مجلس الشورى الداخلي.وتطرح فيها مختلف القضايا السياسية، والوضع العام للبلاد ككل، ودخلنا في الكثير من النقاشات في الداخل والخارج وكان هدفنا الخروج إلى العلن، وكنا مستعدين وقتها لتحمل مسؤوليتنا وكانت غاية عملنا ترمي إلى أن يتحقق وفي أقرب وقت مؤتمر بين الداخل والخارج، والأقرب أن يكون في الداخل وكان هذا سنة 2010.ولم يكن راشد الغنوشي قائد الحركة يحضر هذه الاجتماعات شخصيا، لكن مجلس الشورى كان موجودا، وكانت هناك بعض الخلافات بيننا فكانت مجموعة ترى أنه يمكن التعاطي مع السلطة والتفاوض معها، ولكن كنت أرى أنه لا حوار مع بن علي الذي لم يمنح فرصة لأقرب الناس إليه في الحزب، ولا بقية الأحزاب التي تحالفت معه في عام 1994، فهذه الأمور كانت تؤرقنا، المطلوب أن نعقد مؤتمرا نعلن عبره خروجنا للعلن وتشكيل مكتب سياسي.وكنا نتوقع بنسبة 95 في المائة أنه سيعاد القبض علينا ونعاد إلى السجون، لكن رغم ذلك كنا نصدر بيانات مشتركة، وبيانات باسم النهضة، وكان علي العريض وزياد الدولاتي يتعرضان لمضيقات دائما وإيقاف، لكن للضغوط الداخلية والخارجية لم يكن بإمكان النظام وقتها إعادتهما للسجن.وصلنا لمرحلة متقدمة من التعامل مع أطراف المعارضة الآخرين، كنا نريد وحدة لمواجهة النظام، وكنا نحتاج إلى برنامج حريات ونقلة ديمقراطية، وقبل الثورة بأسبوعين قلنا لنجيب الشابي: تقدم ونحن معك.كنا نقوم باجتماعات جمعت جل الأطياف السياسية المعارضة، النهضة ونجيب الشابي ومصطفى بن جعفر وحمة الهمامي وجماعة المنصف المرزوقي وجهات أخرى أردنا جبهة، لكن مشكلتهم كانت الخلافات المتواصلة حول مسألة الزعامة.الثورة كانت مباغتة في لحظتها لكن لم تكن مباغتة في مسارها، أنا لا أقول ثورة البوعزيزي لكن أقول ثورة الشعب وحادثة البوعزيزي هي الشرارة التي أوقدتها.كنت أشعر أن الوضع تدهور على المستوى الاجتماعي والسياسي، والفساد والسرقات والفضائح، كل شيء حتى المعطيات الدولي ... |