TUE, 23-9-2025

عجائب وغرائب في قناعات اللبنانيين

16:032014/07/19
A
|
A
|







فادي عبود - ما زالت تدهشني القناعات اللبنانية الثابتة، وكأن هذه القناعات باتت نصاً مقدساً يمنع المساس به، برغم ان التاريخ والتجربة والخيبات اثبتت ان هذه القناعات تحتاج الى تغيير، وان عدم الاعتراف بالخطأ ومحاولة تحقيق ثورة ذاتية عبر تغيير بعضها، وأكثرها مبني على تفاهات، سيجعلنا نرزح تحت النتائج ذاتها مرة بعد مرة.ومن القناعات التي كانت راسخة عند بعض من سيطروا على السياسات الاقتصادية سابقاً ويستمرون على هذا النهج، برغم كل المحاولات الصادقة للتغيير، هي ان لبنان لا يحتاج الى السدود لاستثمار وحسن استغلال ثروته المائية؛ ونتيجة التشبث بهذه القناعة، وصلنا الى مرحلة نستجدي فيها المياه من الدول المجاورة. البلد الذي يعتبر من أهم مصادر المياه في شرق البحر المتوسط و يجري فيه حوالي 40 مجرى مائياً، بات اليوم يستجدي المياه ويحرم مواطنيه من ابسط الحقوق، وذلك بسبب قناعة راسخة لدى بعض الحكومات المتعاقبة بعدم بناء سدود، حتى لو كانت ممولة من مصادر أجنبية، وبسبب العنجهية اللبنانية وعدم الاعتراف بالخطأ والبحث عن حلول؛ وآخر القناعات البيئية هي رفض قطع الاشجار من اجل بناء السدود، فبعد البدء ببناء سدود عدة مؤخراً توقفت المشاريع فجأة.وهناك قناعة اخرى من المدرسة الاقتصادية نفسها تقضي بعدم بناء معامل جديدة للكهرباء، وهذه القناعة اوصلتنا الى حالة مزرية في وضع الكهرباء حالياً وكأننا لم نقتنع بعد ان ما قمنا به خلال السنوات المنصرمة اوصلنا الى حالة كارثية وفشل فشلاً ذريعاً، وان نحن لم نبادر الى انشاء مصانع جديدة لانتاج الكهرباء، فان الانتاج سيتراجع حكماً. والغريب ان هذه القناعة لا تتزحزح وعادت اليوم للبروز. والظاهر ان التمويل لبناء مصانع جديدة توقف!اما أسوا القناعات لدى اللبنانيين فتتمثل بفكرة ان الاحتكار ضروري للحفاظ على مستوى السلعة، وهذه القناعة ساهمت في خلق اسوأ انواع الاحتكارات في لبنان، ولم تفتح المجال امام تنافسية تساهم في تطوير الخدمات وخفض الاسعار، وفي الوقت نفسه زيادة الارباح. فما زلنا نقدس المحتكر ونحترمه ونسعى بكل الوسائل للحفاظ على احتكاره المكتسب، فإعلانات «فلان الفلان الوكيل الحصري» في اي بلد في العالم تعرض صاحبها للمقاطعة من الزبائن، اما في لبنان فهي قيمة مضافة للمعلن.وما زلنا مقتنعين ايضاً بان عدم السماح بفتح الاجواء يخدم المصلحة الاقتصادية العليا ويحمي الشركة الوطنية، الى درجة اننا وصلنا بقناعتنا تلك الى جعل لبنان أغلى وجهة بين كل البلدان، ما يجعل حتى المغتربين يتوجهون الى وجهات باسعار تذاكر ارخص. فمثلا تذكرة السفر ذهاباً وإياباً من باريس الى بيروت على متن الخطوط الجوية الفرنسية خلال شهر تموز تبلغ 1600 دولار اميركي، اما سعر التذكرة للتوقيت نفسه من باريس الى تل ابيب فتبلغ 900 دولار اميركي، اما من لندن الى بيروت خلال شهر تموز فتبلغ ما يقارب الـ1200 دولار اميركي على الخطوط الجوية البريطانية بينما من لندن الى تل ابيب فتبلغ 700 دولار اميركي على الخطوط نفسها، هذا بالاضافة الى العبء الكبير الذي يتكبده المغتربون اللبنانيون. ولكن ما همنا، المهم ان قناعتنا الراسخة لا تنكسر ولا تتغير وليبلِّط المغتربون البحر.من الأمثلة أيضاً قناعتنا بالاصرار على الاعلانات الخادعة الرنانة التي تخلو من الشفافية والمنطق، مثل اعلان وزارة الاتصالات تخفيض اسعار التخابر، وحين تحاول التأكد من حقيقة ذلك وتفاصيله كمستهلك حريص، تصطدم بعدم معرفة أحد من الموظفين بمحتوى هذا الاعلان وتفاصيله، وهل ذلك يشمل المخابرات الدولية كافة، والى كل دول العالم، واي فترة من الليل هي مجانية، وحين تسأل مجدداً يتهمونك بنكران الجميل، فالوزير قال ذلك ومن انت لتشكك بكلام الوزير؟ قناعة متأصلة ولن تتغير. قناعتنا بان الوحدة الحسابية يجب ان تكون 60 ثانية بدل ان تكون ثانية، ما يخسِّر المستهلك ما يعادل الـ37 في المئة من رصيده بحسب تقرير مجلة which البريطانية، ولن نغير هذه القناعة ولو اتى خبراء الكون ولن نرضى باستبدالها. فبدلاً من خفض التعرفة، لماذا لا تكون تعرفة عادلة تأخذ من المشترك بحق عدد الثواني التي استعملها ولا تسرقه 37 في المئة عن وقت لم يستهلكه؟ومن عجائب القناعات تلك المتعلقة بان البحص والرمل في بلدنا هو هبة الهية يغدقها الله على من يختاره من المتمولين والمتمكنين والمحظوظين، فيصبحان ملكا له ولاولاده من بعده من دون ان يتكبد اي ضريبة، او يدفع للدولة اي مقابل؟ونقتنع ان لجان التخمين هي الاجراء الوحيد الممكن اعتماده للقيام بعمليات التخمين العقارية، ونقتنع بذلك برغم معرفتنا بالسماسرة وكيف تتم الامور، الا اننا لا نزيح عن قناعاتنا قيد أنملة.اما على الصعيد السياسي، فقناعاتنا اكثر تعنتاً وغرابة، فالقناعة سائدة اليوم ان قانون الانتخاب المعروف بالارثوذكسي سيزيد من التقوقع الطائفي ويكرسه، في الوقت الذي تتسم كل ممارساتنا في السياسة بالطائفية ونضع الطائفية اساساً لكل تعيين في الدولة. ان ما يغيره القانون الارثوذكسي هو انه يجعل هذه الطائفية اكثر عدالة ولا يسمح لاي فريق مد اليد إلى حصص الآخر. ومهما بدا هذا الكلام قاسياً الا انه يبقى الحقيقة المنطقية، ولا يحق لاحد قول غير ذلك، الا اذا طالبنا جميعاً بإلغاء الطائفية السياسية والتربوية ومنع اي مظهر او ممارسة طائفية في البلد. اما القناعة اللبنانية بجلد القانون الارثوذكسي، في حين نحافظ على كل الممارسات الطائفية الاخرى، فهي من عجائب الزمان.ومن القناعات الغريبة التي تتخطى حدود العقل هي رفض استفتاء على كيفية انتخاب رئيس الجمهورية: من الشعب او من 128 نائباً، وفي الوقت نفسه نتغنى بالديموقراطية، ولككنا نرفض رئيساً يمثل اكثرية الشعب اللبناني من دون تدخلات خارجية، نرفض استفتاء تعتمده كل الديموقراطيات، ونصر على ...


5amsat
على مدار الساعة

الأبرز هذا الأسبوع

على مدار الساعة
mostaqel
5amsat
mostaqel
Mostaqel

الأبرز هذا الأسبوع

اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني