لم يكن ما حصل في عرسال وليد صدفةٍ أو ناتجٌ عن اندفاعة غضبٍ ردًا على اعتقال القيادي في داعش "عماد جمعة". لكنه في الوقت نفسه لم يكن مقررًا ما حصل في ذاك اليوم. الإنتشار والإنتقال، الدعم والإمداد، الهجوم والحصار والمباغتة، كلّها كانت مخطّطة ومجهزة في وقتٍ سابق، وحده التوقيت فاجأ الجميع بمن فيهم المسلحين.
ثلاث مراتٍ ألغيت فيها عملية الهجوم، واحدة منها قديمة العهد تعود الى ما قبل سقوط يبرود وبالتحديد تزامناً مع مناسبة عاشوراء، واثنتين منها منذ وقتٍ قريب لم يتعدَّ الـ20 يوماً، آخرها كان مقرراً ليلة عيد الفطر المبارك، أجلّت بسبب الهجوم المسبق الذي شنه حزب الله على معاقل المسلّحين في القلمون، بناءً على معطيات أفادت عن التحضير لذاك الهجوم.
بحسب ما قالته مصادر أمنية لـ"سلاب نيوز"، فإنّ المخطط كان يقضي بهجومٍ ضخمٍ يشنّه المسلحون على حوالي خمس قرى لبنانية محيطة بعرسال، وهي رأس بعلبك، اللبوة، نحلة، العين، ويونين، يتخلله قصف صاروخي ومدفعي عنيف وعمليات انتحارية إضافةً الى انغماسيين يدخلون تلك القرى، ليختتم الهجوم باجتياح عددٍ ضخمٍ من المقاتلين لتلك القرى يرتبكون المجازر بحق أبنائها من أجل تعميم المشهد "المرهب" الذي قد يمنحهم إمكانية التوسع في البقاع اللبناني بسيناريو شبيه بما حصل في الموصل.
تضيف المصادر الأمنية، أنّ ذالك السيناريو ما كان ليتمّ دون إحكام السيطرة على بلدة عرسال التي ستكون قاعدة ذاك الهجوم وعاصمة الإمارة المقرّر إنشاءها. ولتلك الغاية، فإنّ خطةً ثانيةً وضعتها المجموعات الإرهابية، تمثّلت بما شهدناه في اليومين الماضيين من إحكام سيطرةٍ سريعةٍ على البلدة دون الحاجة للإستعانة بمسلحي الجرود، الذي أرسلوا السلاح الى داخل مخيمات اللاجئين في وقتٍ سابق، ونظموا صفوف المنضمين اليهم من اللاجئين القادرين على حمل السلاح، والذين يقدّر عددهم بأكثر من 18 ألف مقاتل من أصل 22 ألف رجل قادر على حمل السلاح، وعلى هذا العدد الضخم قام مخطّط الاجتياح الواسع للقرى في البقاع الشمالي.
تؤكد المصادر الأمنية، أنّ المخطط كان لا يزال قائماً، وقد ورد للجيش معلومات كثيرة تتحدث عن نية المسلحين بشنّ هجومٍ كبير، وقد قام الجيش بتعزيز مواقعه في البلدة البقاعية من أجل التصدي لهكذا سيناريو، فيما كانت جهود المسلحين في المرحلة الماضية تتركز على لمّ شملهم تحت لواء تنظيم داعش لإضفاء بعدٍ إقليمي على هذا الهجوم وربطه بالساحة العراقية، ولأجل ذلك كانت الاتصالات ما تزال جارية بين الموالين لداعش في القلمون وعناصر جبهة النصرة، إضافةً الى تنظيمات أخرى من أجل توحيد راية القتال. وتضيف المصادر أنه وبحسب ما وصل من معلومات من خلال التحقيقات الجارية مع من أُلقي القبض عليهم، فإنّ معارك القلمون بين المسلحين وحزب الله ما كانت لتمنع ذاك الهجوم الذي لم يكن قائمًا على مسلحي الجرود بقدر ما يتّكل على مسلحي المخيمات، إلا أنّ عملية اعتقال القيادي عماد جمعة أجبرت المسلحين والتنظيمات على تنفيذ البند الأول من المخطط، وهو السيطرة على عرسال ومحاصرة الجيش فيها في محاولةٍ لإطلاق سراح من وصفوه بـ"المهندس العسكري" للهجوم المنتظر، والمسؤول عن عملية التنسيق ما بين داعش والنصرة في القلمون بعد أن قضى حزب الله على قيادي بارز كان يتولى تلك المهمة خلال اشتباكات في جرود بلدة الفاكهة.
ما سبق من معلومات، يتطابق مع ما أعلنته قيادة الجيش على لسان العماد جان قهوجي، والذي أكد أنّ المدعو عماد جمعة قد اعترف بتخطيطه لهجومٍ واسعٍ على مراكز الجيش في عرسال، مؤكدًا أنّ ما حصل لم يكن وليد لحظته بل مدبراً ومخططاً له بدقة. إلى جانب ذلك فقد كان المدعو عامر القلموني، مدير مركز القلمون الإعلامي، قد نقل منذ أيام أجواء المقاتلين المنتشرين في الجرود في محاذاة قرى بقاعية لبنانية، تفيد بجهوزية هؤلاء لتنفيذ عمليات نوعية في قرى خاضعة لنفوذ "حزب الله" كردٍ على قرار الحزب فتح معركة معهم، وتقدّمه نحو معاقلهم في الجرود.
من جهةٍ أخرى، يؤكّد المصدر أنّ المخطط قد باء بالفشل الآن، خاصةً بعد وضوح السيناريو كاملًا، وخسارة المسلحين لعنصر المفاجأة بالتوقيت أولًا، و بالعدد الكبير لمسلحي المخيمات ثانيا. ويشير المصدر إلى أنّ المفاجآت باتت لدى الطرف الآخر، أي الجيش، ومعه حزب الله، الذين يحضرون بحسب آخر المعلومات لردّ شديد القسوة على المسلحين ستظهر تفاصيله في الأيام المقبلة التي قد لا يقوم من بعدها لمسلحي القلمون وجرود عرسال قائم.
المصدر: سلاب نيوز