منذ البارحة بدأت المفاوضات بشكلٍ جدي. هذا هو العنوان الأبرز لذاك النهار الطويل الذي بدأ باتصالٍ هاتفي، وانتهى بجلسةٍ دامت لخمس ساعاتٍ بحثت قضية المختطفين اللبنانيين في عرسال.
كلام مصدرٍ وزاري تقاطع مع آخر ليسرد لـ"سلاب نيوز" تفاصيل ما جرى. إتصالٌ صباحي بالسراي الكبير مصدره العاصمة القطرية الدوحة، أكّد لرئيس الحكومة تمام سلام، الممسك وحده بملف التفاوض، أنّ موفداً قطريّاً سيصل إلى بيروت ومنها إلى عرسال لمفاوضة المسلّحين بخصوص الجنود اللبنانيين لديهم. وبالفعل، وصل الموفد الذي لم يكن قطريّاً! الموفد الذي أتى إلى بيروت، تبيّن أنّه شخصية إعلامية سورية مقربة من النظام القطري، انطلقت بسيارات السفارة القطرية إلى عرسال، وصلت إلى منزل مصطفى الحجيري المعروف بأبو طاقية.
داخل أسوار أبو طاقية، وبعد مرور ساعتين، تمّ الإتفاق على الإجتماع مع قيادة تنظيم داعش الإرهابي بشكلٍ غير مباشر، فعمد عنصر مسلّح سوري، غير محدد الإنتماء، إلى نقل رسالتين بين الموفد السوري القطري وأبو طلال، متزعّم داعش في الجرود. بعدها قرر أبو طلال السماح للموفد بلقائه، فجرى لقاءٌ لم يتم الإعلان عن مكانه، عرض خلاله الطرفان وجهة نظهرهما.
أبو طلال اعتبر أنّ الواقع يفرض على تنظيمه المطالبة بإخلاء سبيل سجناء من سجن رومية مقابل العناصر الموجودين رهن اعتقاله. الموفد استمع بادئ الأمر، ليعود ويدخل مباشرةً بالطرح، فقد طرح مبلغاً من المال إضافةً لضغط الحكومة القطرية على لبنان لإخلاء سبيل من لم تتم محاكماتهم، مقابل إخلاء سبيل كل العسكريين.
لم يعط الموفد السوري القطري جواباً واضحاً، بل استمهله أبو طلال لمدة صغيرة، يعود بعدها هو ليتصل بالوسيط ليبلغه جوابه.
في الواقع يبدو تنظيم داعش بعيدًا هذه المرة عن الموافقة على فديةٍ مقابل إطلاق العناصر. في تجربة خطف الراهبات، عمدت جبهة النصرة إلى قبول فدية مالية وإطلاق سراح بعض من طالبت بهم من داخل سوريا، لإطلاق رهائنها. حصل ذلك نتيجة محاصرة الجبهة في القلمون من قبل الجيش العربي السوري وحزب الله، وحاجتها الماسة لسيولة تُصرف لوجستيّاً وعلى الأرض لزوم المعركة والصمود. أمّا تنظيم داعش، فلديه من المال ما يكفيه، وبحسب ما أُعلن سابقاً، فإنّ التنظيم يجني مليون دولار يومياً من خلال بيعه نفط الموصل فقط إلى صديقته تركيا. فإذاً، على قطر والحكومة اللبنانية البحث عن خطة ب.
خلال إجتماع الحكومة الخميس أكّد بعض الوزراء أن المساومة على العسكريين مبدأ مرفوض تماماً، كما ألمحوا إلى أنّ الدولة اللبنانية ستوصل رسالة لتنظيم داعش كما يفهم هو، أي بلغته الملموسة.
أثناء إعداد هذا الموضوع أعلن الجيش اللبناني عن توقيف شقيق أبو طلال المدعو مصطفى. هنا يمكننا العودة إلى كلام الوزراء، هنا قبضت الدولة على من يمكن تسليمه مقابل العسكريين، دون المساس بهيبتها.
إغتيال غبابة والشيخ الغالي
تزامناً مع وصول جثة المواطن العرسالي كايد عمر غبابة الذي إغتاله تنظيم داعش في جرود عرسال إلى البلدة، خرج عضو هيئة العلماء المسلمين المدعو حسام الغالي ليبرّر أنّ قتل غبابة جاء لتعامله مع حزب الله، عذرٌ أقبح من ذنب. فبحسب القوانين اللبنانية، ليس هناك ما يمنع مواطناً لبنانياً من التواصل مع حزب مرخّص لدى وزارة الداخلية، وفي حال سلّمنا أن التعامل مع حزب الله مزعج في عرسال، فهل يحق لتنظيم داعش قتل مواطن لبناني. تبرير هكذا فعل به أمران: الأوّل تسليم بسلطة داعش التي تحارب الجيش اللبناني وهو عار، أمّا الثاني فهو تشريع لقتل كل صديق ومقرّب من حزب الله، وهو عارٌ أيضاً. كلام الغالي بحاجة لتعليل قانوني، أمّا أنّه محق فيعلم المواطن اللبناني حدوده، وأمّا هو مخالف للقانون ويستحق عليه المسائلة. برسم من تعنيه السيادة في لبنان.