MON, 17-3-2025

موضة "الإطارات المشتعلة".. بين "التضامن" و"الاستعراض"!

11:162014/09/09
A
|
A
|
حسين عاصي - لم تكن الصور المريعة التي تمّ تناقلها في عطلة نهاية الأسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي لعملية ذبح عسكري ثانٍ من الجيش اللبناني على يد تنظيم ما يُسمّى بـ"الدولة الإسلامية" لتمرّ مرور الكرام.
فشهادة ابن العشرين ربيعًا عباس مدلج أتت "صادمة"، مثلها مثل شهادة زميله الرقيب علي السيد قبله، فعلى الرغم من أنّهما ككلّ أبناء المؤسسة العسكرية "مشاريع شهداء" في معركة "الشرف والتضحية والوفاء"، إلا أنّها معهما اتخذت طابعًا آخر لا يعبّر سوى عن التخلف والهمجية والجاهلية التي يصرّ البعض على "التقوقع" فيها.
إزاء هذا الواقع، قرّر الشارع أن "ينتفض" من جديد، وعلى جري العادات اللبنانية "المتوارثة"، كانت "الإطارات المشتعلة" ضيفة المناطق المختلفة، لتبقى الإشكالية الأساسية عن "الرسالة" التي يحملها حرق الإطارات، ومن يغطي هذه الظاهرة...

العدّة والعديد متوفران..

بسرعة البرق، تنقلت "الإطارات المشتعلة" بين المناطق اللبنانية بل بين الأحياء والزواريب منذ ليل السبت-الأحد، وذلك للتعبير عن "الاحتجاج" على ما يتعرّض له الجيش اللبناني والاعراب عن "التضامن" معه.
"أبطال" هذه الحركة هم من صغار السنّ والشباب المتحمّسين، يجمعون بعضهم بعضاً وينطلقون لتنفيذ "المهمّة السامية". "العدّة" جاهزة دومًا، كما "العديد" المتأهّب على مدار الساعة بانتظار "إشارة الانطلاق". وعلى الأرض، يلتحق كثيرون بهذه المجموعات، ويتحمّس آخرون لالتقاط الصور، وبينها صور الـSelfie التي تنتشر وفق قاعدة "النار خلفي"، أو تطبيقًا لشعار "ولعانة" الذي يرفعه شباب اليوم بشكلٍ مجازي في يومياتهم.
أما القوى الأمنية، فـ"تتفرّج" عمومًا على المشهد، ولا تتدخل إلا بحال الضرورة القصوى، وهذه الضرورة "يرسمها" التفاعل على الأرض، فطالما حافظ الحراك على "سلميته" لا دور لها، أما إذا رصدت بعض "العنف" أو "الإشكالات" تدخل على الخط فورًا، في محاولة لـ"تطييب الخواطر" و"تهدئة روع" المتجمهرين.

مفارقات وملاحظات..

نموذجٌ لهذا الحراك "الشبابي" شهده تقاطع غاليري سمعان في الضاحية الجنوبية لبيروت ليل السبت-الأحد، وهو الواقع بين حاجزين ثابتين للقوى الأمنية، أحدهما للمتجهين إلى منطقة صفير والثاني إلى الشياح. على هذا التقاطع تجمهر بعض الشبّان والفتيان، ورويدًا رويدًا، أخذ عددهم يزداد و"انتفاضتهم" تتمدّد.
مفارقاتٌ عديدة أمكن تسجيلها بالعين المجرّدة، فإذا كانت القاعدة التي ينطلق منها الشبّان هي منع عبور أيّ كان، أعطيت سيارة لأحد رجال الدين "استثناءً" وسُمح لها بالمرور، لكن سرعان ما انتفض أحد الشباب في وجه زملائه قائلاً: "ممنوع مرور أي سيارة"، فيما حمل آخر إطاراً وهمّ برميه عليها لـ"معاقبتها" على "فعلتها".
وإذا كان لافتاً أنّ سائقي بعض السيارات التي كانت تمرّ بالمكان حرصوا على توجيه التحية للشباب المعتصمين و"مباركة" تحرّكهم ولو أعاق سيرهم، فإنّ مفارقة أخرى سُجّلت مع دخول عنصر أمني على الخط، ومحاولته ثني الشباب عن مواصلة تحرّكهم والسماح للناس بالتحرّك على راحتها. لكنه لم "يصمد" أكثر من دقائق قبل أن يعود لسيارته، حيث اكتفى بـ"التفرّج"

تسجيل موقف..

تسجيل المواقف هو الهدف من هذا النوع من التحرّكات، يؤكد عددٌ من الشباب المنخرطين بها لـ"النشرة". "جيشنا يُذبَح ودولتنا تتفرّج"، يقول أحدهم، ويردف آخر: "بالأمس علي السيد واليوم عباس مدلج، والقائمة ستطول إذا بقينا ساكتين"، ليدخل ثالثٌ على الخط: "نحن نعيش في دولة العار، دولة لا تأبه لجنودها وعسكرييها ولا تكترث لتضحياتهم".
برأي هؤلاء الشباب، فإنّ موقف الدولة كان ليختلف 360 درجة لو أنّ أحد أبناء الوزراء والمسؤولين هو من وقع في قبضة إرهابيي "داعش" وأخواتهم. "المطلوب أفعال لا أقوال"، يشدّدون بالإجماع، فيما لا يتردّد بعضهم في إطلاق السهام نحو "خصوم السياسة" محمّلين إياهم كلّ المسؤولية عن تسلل "الإرهابيين" إلى بيئتهم.
كلّ ما سبق جميل. ولكن أليس المواطنون أنفسهم هم المتضرّرون من هذه التحرّكات؟ أليسوا إخوتهم وأهلهم من يقطعون عليهم الطريق في النهاية؟ يرفض الشبّان هذه "المقاربة الضيقة" للموضوع، كما يستهجنون تصوير البعض لهم كما لو كانوا "قطّاع طرق" لا "أصحاب قضية".  "نحن نسجّل موقفاً"، يقولون، ويضيفون: "على الدولة أن تشعر أنّ الثورة ستنطلق من هنا، عليها أن تدرك أنّ الشعب لن يبقى صامتًا خانعًا".

استعراضٌ لا أكثر؟!

الشباب يبرّرون إذًا "حركتهم" بتسجيل الموقف، "منطق" يجد حججًا بالجملة لصدّه، إذ كيف يتوهّمون أنهم بحركتهم هذه يؤثرون على دولة، يقولون أنها أصلاً غير موجودة.
وتمتدّ الأسئلة المشروعة التي تُطرح في هذا السياق، فمن قال للشباب أنّ التضامن مع العسكريين يكون بهذا الشكل؟ ألا يلاحظون أنهم يزيدون عليهم عبء فتح الطرقات في وقتٍ يجب أن يكونوا على الجبهات يقاتلون وبمؤازرة هؤلاء الشباب قبل غيرهم؟ وما الذي يحققونه عندما يتعاملون بـ"عنف" مع المارة الذين يشاركونهم على الأرجح المرارة نفسها، وتتحوّل "السلمية" إلى "مشاغبات"؟
باختصار، قد تكون مجرّد "عادة سيئة" تضاف لأخواتها من "الظواهر المريبة" التي تجتاح المجتمع اللبناني، ولكنها، وحتى لو كانت "النوايا" من ورائها صافية، لا تعدو كونها "استعراضاً" لا يقدّم ولا يؤخر في المعادلة، معادلة تكاد تصبح "الثورة" عليها واجبًا لا خيارًا...

المصدر: موقع النشرة "خاص"


Mostaqel
على مدار الساعة
على مدار الساعة
mostaqel
mostaqel
mostaqel
Mostaqel
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني