عبدلله سليمان علي – صحيفة السفير
أعلنت «حركة أحرار الشام الإسلامية» وقف المفاوضات مع الوفد الإيراني بخصوص مدينة الزبداني، متهمة طهران بالسعي إلى تغيير ديموغرافية المنطقة المحيطة بالعاصمة دمشق ومنطقة الحدود اللبنانية، الأمر الذي جعل الزبداني، في منظور الحركة، ترقى إلى مستوى القضية الوطنية والإقليمية بامتياز، لأنها تستهدف إجهاض ما أسمته مشروع تقسيم سوريا.
غير أن مصدراً مطلعاً نفى لـ «السفير» صحة ما ورد في بيان «أحرار الشام»، مشدداً على عدم وجود مفاوضات حقيقية بخصوص مدينة الزبداني، بينما أشار الوسيط السوري محمد أبو القاسم، وهو رئيس «حزب التضامن» المعارض، إلى أنه يسعى إلى إقناع فصائل وفعاليات الزبداني بسحب وإلغاء التفويض الذي منحوه إلى «أحرار الشام» ويخولها تمثيلهم في أي مفاوضات حول مصير المدينة.
وفي وقت تضاربت فيه الأنباء، على مدى الأسبوع الماضي، حول عملية التفاوض الخاصة بمدينة الزبداني، سواء لجهة الأطراف المشاركة فيها، أو لجهة مكان انعقاد المفاوضات ومضمونها، فاجأت «حركة أحرار الشام» الجميع بالبيان الذي أصدرته أمس، وأعلنت فيه وقف المفاوضات مع «الوفد الإيراني».
وذكرت الحركة، في البيان، «نعلن وقف التفاوض مع الوفد الإيراني لإصرارهم على تهجير المقاتلين والمدنيين إلى مناطق أخرى». وشددت على أن «خطة التهجير الطائفي وتفريغ دمشق وما حولها، وكافة المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان أصبحت في مراحلها الأخيرة»، مشيرة إلى أن «الزبداني هي أول خطوة في آخر مرحلة ستنتهي في الغوطة»، مؤكدة أن «ما سبق ذكره ليس تحليلا أو جزءاً من نظرية المؤامرة بل هو معلومات دقيقة لا تحتمل الشك». وبناء على ذلك اعتبرت أن «قضية الزبداني تجاوزت حدود الزبداني وتجاوزت مسؤولية أحرار الشام»، واصفةً إياها بالقضية «الوطنية والإقليمية».
وحثّت الحركة كافة الفصائل على «إشعال الجبهات، وخصوصاً في دمشق ومحيطها»، وهو مطلب تتداوله أوساط المسلحين منذ انطلاق عملية الجيش السوري و «حزب الله» في الزبداني مطلع الشهر الماضي، غير أن الجديد الذي أعلنته الحركة هو تذكيرها لمن أسمتهم «حلفاءنا الإقليميين»، وهي تسمية ترد للمرة الأولى في بياناتها، بأن «المشروع الإيراني لن يكتمل حتى يحدثوا في بلادهم الخراب».
وكان لافتاً أن يشير البيان بشكل صريح إلى السعودية عندما اعتبر أن «ثورة الشام هي خط الدفاع الأول في مواجهة المشروع الإيراني الذي يحارب في سوريا وعيونه على مكة والمدينة». ولم يفت البيان إعادة التذكير بمعادلة «الفوعة وكفريّا مقابل الزبداني» عندما نوّه بشكل غير مباشر إلى أن «أعداءنا (الجيش السوري وحزب الله) أصبحوا يعرفون أن مصير عصابتهم وميليشياتهم في الشمال مرتبط بمصيركم».
وكانت العديد من التقارير الإعلامية قد تحدثت، الأسبوع الماضي، عن وجود مفاوضات حول مدينة الزبداني، غير أن التضارب كان سيد الموقف. فبعضها أكد أن المفاوضات هي مع النظام السوري و «حزب الله» وأنها تجري في مكانين أحدهما في ريف دمشق والثاني في ريف إدلب، وبعضها قال إن المفاوضات تجري مع وفد إيراني في اسطنبول، وآخر تحدث عن مفاوضات مع وفد روسي، بينــما ذكرت تقارير أخرى أن المفاوضات تجري بإشــراف الأمم المتحدة. وأكــثر الروايات تداولاً هي التي تم تناقــلها، نقلاً عن الناشط الإعلامي عامر برهان، والتي كانت تتحدث عن وجود مــبادرة إيرانية تتضمن اقتراحاً بإخلاء المدينة من قاطنيها أو توقيع المصالحة مقابل فك الحصار عن بلدتي الفوعة وكفريا. وهو ما يؤكد أن الاقتــراح المتداول يحصر الخروج من المدينة فقط بالفئات التي ترفض البقاء تحت ظل المصالحة المزمع عقدها، ولا يشمل جميع المدنيين بغض النظر عن موقفهم.
في المقابل، نفى مصدر مطلع على مجريات قضية الزبداني لـ «السفير» صحة ما ورد في بيان «أحرار الشام»، وأكد عدم وجود ما يمكن تسميته بـ «مفاوضات» مع الحركة لا داخل سوريا ولا خارجها، مبدياً استغرابه من مزاعمها بأنها قررت وقف عملية لا وجود لها.
بدوره، قال رئيس «حزب التضامن» المعارض محمد أبو القاسم، وهو من أبناء مدينة الزبداني، أن التفويض الذي حصلت عليه «حركة أحرار الشام» من قبل فعاليات المدينة وفصائلها أدّى إلى «عرقلة المسار التفاوضي الذي أطلقته بنفسي بعد ثلاثة أيام فقط من بدء معركة الزبداني مطلع الشهر الماضي»، حيث طُرحت آنذاك مبادرة من تسعة بنود كإطار لمناقشة قضية الزبداني في محاولة للوصول إلى تسوية بين الطرفين على أساسها.
وشدد أبو القاسم، في حديث مع «السفير»، على أنه ما زال يسعى لدى الأهالي وقادة المسلحين من أجل إلغاء التفويض الذي منحوه إلى «أحرار الشام»، نافياً صحة ما ورد في بيان الحركة حول وجود خطة للتهجير الطائفي، مشيراً إلى أنه بحكم كونه من أبناء المنطقة وعلى اتصال مع الأهالي أو مع القادة الميدانيين في «حزب الله» بشكل شبه يومي لم يلحظ وجود مثل هذا المخطط.
وبرغم إقراره بأن المسار التفاوضي الذي يقوده بين المسلحين من جهة وبين السلطات السورية من جهة ثانية، متوقف منذ دخول «أحرار الشام» على الخط، إلا أنه أكد أن نهاية الأسبوع المقبل ستشهد تطوراً إيجابياً في هذه القضية، مشيراً إلى أن فشل مفاوضات «أحرار الشام» سيصب بالتأكيد في خانة إحياء المسار الذي يقوده.
وقد حصلت «أحرار الشام» بجناحها السياسي، المشكل حديثاً، على التفويض بإجراء المفاوضات في 22 تموز من قبل «المجلس المحلي» في مدينة الزبداني، وهو ما يعني أنها قررت وقف التفاوض قبل دخول المفاوضات أسبوعها الثالث، الأمر الذي يثير تساؤلات حول استعجال الحركة إجهاض هذه المفاوضات وعدم إعطائها فرصة للاستمرار، علماً أن تجارب سابقة، ولاسيما المفاوضات حول الخروج من أحياء مدينة حمص القديمة في أيار من العام الماضي، استغرقت عدة أشهر قبل التوصل إلى نتائج إيجابية، وكانت «أحرار الشام» الطرف الرئيسي في تلك المفاوضات.
وجاء قرار «أحرار الشام» بوقف ما أسمته المفاوضات، بالتزامن مع استمرار الجيش السوري و «حزب الله» في تقدمهما الميداني على الأرض، حيث أشارت آخر الأنباء الواردة إلى سيطرتهما على كتل بنائية جديدة في حي الزعطوط، وذلك بعد تقدمهما الأسبوع الماضي وبسطهما السيطرة على منطقة جامع وادي بردى داخل المدينة. وهو ما يرجح بأن بيان «أحرار الشام» ربما يهدف إلى غاية مخالفة لما يشير إليه مضمونه، لأن الضغط العسكري المتزايد على الحركة قد يكون دفعها إلى إصدار هذا البيان الناري بقصد دفع الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات تحت تأثير تهديدها بإشعال جبهات دمشق وتوسيع ميدان المواجهات، وتضخيم انعكاساتها المحلية والإقليمية، وكأنها تحاول القول «إذا لم تلجأوا إلى المفاوضات فما زال بين يدي أوراق قوية يمكنني اللعب بها»، وهو ما يعززه نفي المصدر السابق لوجود أي مفاوضات أساساً.