جال مراسل ملحق في لندن، في الشوارع البريطانية لمعرفة أراء الشعب بعد التصويت على الخروج من الإتحاد الأوروبي، طارحاً العديد من الأسئلة حول الموضوع، لتبين النتيجة أن معظم الذين صوتوا على قرار “الرحيل”، متخوفين من تداعيات قرارهم والارتدادات السلبية التي يمكن أن تنتج عنه.
ووفقاً لمراسلنا فإن الإستفتاء الذي قسم الشارع البريطاني بالأمس بين مؤيدٍ ومعارض للبقاء في الإتحاد الأوروبي، حوله اليوم بأغلبيته الساحقة إلى شارع قلق من أي مخاطر أمنية أو إقتصادية قد يجرها قرارهم على البلاد، فبعد أن أعلن كاميرون إستقالته، ظهرت بعض الأصوات المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا والانضمام الإتحاد.
وكشفت النتائج عن حجم التناقض والاختلاف داخل المجتمع البريطاني في شأن مسألة التكامل مع أوروبا. ويهدد اختيار البريطانيين وحدة المملكة المتحدة السياسية. وينذر بإحياء صراعات قديمة.
ففي حين اختارت لندن وإسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز التصويت لمصلحة البقاء، صوت شمال انكلترا ويلز للخروج من الاتحاد. وفور الإعلان عن النتائج، أشارت نيكولا ستارجن رئيسة وزراء إسكتلندا إحدى دول بريطانيا العظمى أن “حكومتها ستجتمع غدا لمناقشة تبعات انفصال بريطانيا”، مشيرةً الى اننا “سنأخذ كل الاجراءات اللازمة لنعكس آراء الاسكتلنديين”.
وكانت إسكتلندا قد أجرت إستفتاءً منذ عامين صوت فيه الشعب لصالح البقاء داخل بريطانيا، لكن ستارجن أكدت أن “خيار طرح استفتاء ثان للخروج من بريطانيا واردٌ بعد خروجها من الإتحاد”، لافتةً ألى أننا “سنبدأ بالاعداد للتشريعات اللازمة لاجراء استفتاء مستقل، والبرلمان سيقرر خيار استفتاء ثان للانفصال عن بريطانيا”.
ودعت حركة “شين فين” الإيرلندية الشمالية المؤيدة للبقاء ضمن أوروبا الكبيرة إلى تنظيم استفتاء حول وحدة إيرلندا، ما قد يرجع الأمور إلى ما قبل توقيع اتفاق السلام مع الجيش الأحمر الإيرلندي، الا أن رئيسة وزراء أيرلندا الشمالية أرلين فوستر رفضت الدعوة لاستفتاء على الوحدة الأيرلندية ووصفتها بأنها دعوة “انتهازية”، موضحةً أنه “من المستحيل حتى لو أجرينا استفتاء حدودياً أن تكون النتيجة لصالح أيرلندا موحدة”.
ويهدد انسحاب بريطانيا مسيرة التكامل الأوروبي، التي بدأت منذ نحو 60 عاما. ومؤكد أن الترويكا الأوروبية المؤلفة من برلين وباريس ولندن فقدت ضلعا مهما مع خروج بريطانيا. ومع المشكلات السياسية والاقتصادية التي تشهدها فرنسا، فإن ألمانيا ستتعرض لضغوط إضافية يجعلها عاجزة عن فعل الكثير من أجل منع تفكك بلدان الاتحاد بتأثير “عامل الدومينو”.
ويجبر خيار البريطانيين بإدارة ظهورهم للاتحاد صناع السياسة في بروكسل على الإسراع في تبني إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة، والبحث في أنجع الوسائل من أجل حل قضايا الهجرة غير الشرعية وسياسة الحدود المفتوحة، واستقبال اللاجئين، والوقوف بحزم لمنع انتشار الإرهاب. وتكشف نتائج الاستفتاء عن فشل بروكسل في تلبية طموحات الشعوب الأوروبية، وتنذر بمرحلة من عدم الاستقرار في حال عدم قدرة القيادات الأوروبية الحالية على إقناع الشعوب بضرورة البقاء ضمن الاتحاد، وتوضيح الفوائد التي تجنيها الشعوب والبلدان من الاتحاد.
وعلى الجهة الأخرى من الأطلسي، يمكن أن تصل تداعيات الاستفتاء في المملكة المتحدة. فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب أيد سابقا انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والقرار الأخير يشجعه على كسب المزيد من المشككين بالعولمة والداعين إلى الانغلاق ووصد الأبواب ومنع الهجرة واللاجئين.
ومع ذلك، على المدى القصير، فإن الحديث عن التفكك السياسي على مستوى القارة الأوروبية قد يكون أمرا مبالغا فيه. فبريطانيا كانت بالفعل شبه منفصلة من الاتحاد الأوروبي، حيث كانت خارج منطقة عملة “اليورو” ومنطقة فضاء “شنغن”. ولكن، كما يوضح تصويت البريكسيت، فإن النموذج الأوروبي يسير ببطء نحو تجاه آخر