من عجائب القضاء اللبناني.. حكم بالحضانة لجدّ متوفٍ منذ 14 سنة!

09:302016/07/04
A
|
A
|

هذه ليست قصة لمسلسل رمضاني أو فيلم سينمائي. الشخصيات الواردة في النص حقيقية. موسى علي سويدان يمكن تذكر الاسم. فيه تبدأ الحكاية وبسببه لا تنتهي.
فرضت الأوضاع المعيشية الصعبة لموسى واقعاً ربما ما كان ليختاره على الإطلاق. ابن الـ 49 عاماً يعيش في منزل مؤلف من غرفتين مع والدته وزوجته وسبعة أولاد (ست بنات وصبي)، أكبرهم حسين 17 عاماً وأصغرهم رقية ابنة السنوات الثلاث. يعمل في محل لتصليح السيارات لقاء مدخول زهيد لا يكفي ثمن قوت لأسرته.
اجتماع الأسرة في منزل ضيق تسبّب بمشكلات بين الزوج وزوجته، إضافة إلى خلافات الأخيرة المتكررة مع حماتها، ثم العلاقة المضطربة بين الأب وأولاده وبينهم جميعاً وكل محيطهم.
بدأت حكاية موسى في 5/3/2015 عندما عاد إلى منزله ولم يجد زوجته ولا أطفاله الذين كانوا قد غادروا المنزل. انتظر لساعات قبل أن يسارع إلى رفع شكوى ضد زوجته وشقيقها أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان متهماً إياهما بخطف الأولاد لاستغلالهم في أعمال مخالفة للقانون.
مرت أيام ليكتشف الرجل أن زوجته لجأت إلى إحدى جمعيات الحماية من العنف الأسري، وذلك عبر مكتب تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية في الشياح، بذريعة أنها تتعرّض للعنف هي وأولادها على يد زوجها. هنا بدأت الرحلة. كانت الجمعية تنقل الأطفال وأمهم من منطقة الى أخرى كلما علم الوالد بمكانهم الجديد.
كانت خطوات الجمعية مدروسة حتى لا يعلم الرجل بمكان إقامة أولاده، فقامت بإخفاء الأطفال لنحو ستة أشهر قبل استشارة القضاء. لم تكن جمعية «أبعاد» وحدها في القضية بل معها «بيت الرجاء الانجيلي»، وربما جمعيات أخرى. بعد رحلة معاناة وتعب، قرّرت الزوجة العودة إلى منزلها علها تنجح وزوجها بلمّ شمل الأسرة مجدداً.
أول دخول لملف عائلة موسى إلى القضاء كان بعد نحو ستة أشهر إذ تمكنت «ابعاد» في 26/11/2016 من الحصول على أمر قضائي من القاضي المنفرد الجزائي في لبنان الشمالي الناظر بقضايا حماية الأحداث ديما ديب، ونصّ على وضع «الوالدة والمستدعى لمصلحتهن ن. وك. ون. وس. وح. ور. مؤقتاً في مؤسسة أبعاد»، ثم أصدرت ديب قراراً آخر في 11/1/2016 سمحت للوالدة بمغادرة الجمعية مع بناتها على أن تبين للمحكمة عنوان سكنها. لكن لم تمضِ أيام، حتى أصدرت ديب قراراً جديداً في 21 كانون الثاني الماضي تطلب فيه «تسطير كتاب إلى النيابة العامة الاستئنافية في الشمال للإيعاز لمن يلزم بتسطير بلاغ بحث وتحرٍ بحق الوالدة التي اصطحبت بناتها إلى جهة مجهولة»، ليصار الى «استلام الأولاد منها ووضعهم في مؤسسة أبعاد».
في 28/1/2016 أصدرت القاضية ديب قراراً جديداً قررت بموجبه «تسليم المستدعى لمصلحتهن مؤقتاً لجدهم لوالدتهم (ح. م.) وتكليفه رعايتهن، وهنا يطرح سؤال كبير كيف يسند أحد القضاة قي العام 2016 مسؤولية رعاية عائلة من شاب وست بنات إلى جد هو في ذمة الله منذ العام 2002؟
مع إصرار موسى على متابعة قضيته أمام الجهات القضائية تم نقل الملف إلى قضاء صيدا الذي قضى ببقاء الأطفال بعيدين عن أمهم وأبيهم، وهكذا تمّ نقل الأطفال إلى «بيت الرجاء الانجيلي» في الكحالة، حيث لا يزالون هناك حتى الآن.
بعدها قام موسى بالتوجّه إلى محكمة بعبدا الشرعية الجعفرية، بناء على ادعاء مقدّم منه ومن زوجته ضد هيئة القضايا في وزارة العدل، وهي دعوى تسلم أولاد. فقررت المحكمة «إعطاء الحق لكل من موسى وزوجته بتسلم أولادهم القاصرين وضمهم إليهما مؤقتاً ريثما يبت بالدعوى وإلزام كل من وجد الأولاد القاصرين المذكورين لديهم من أشخاص أو جهات من جمعيات أهلية أو حكومية بتسليم الأولاد للأبوين المدعين قراراً شرعياً مؤقتاً معجل التنفيذ نافذاً على أصله صدر في غرفة المذاكرة يوم الأربعاء 22/6/2016». وعندما حمل موسى وزوجته الحكم إلى محكمة حماية الأحداث في صيدا قالت له إحدى الموظفات: «بللو واشرب ميتو».
منذ أيام قليلة، نفّذ موسى وزوجته اعتصاماً أمام قصر العدل في بيروت واتهم القضاء اللبناني بخطف أولاده، الأمر الذي أدّى إلى استدعائه من قبل مجلس القضاء الأعلى. يقول موسى إنه عرض القضية أمام أحد كبار القضاة وسلّمه الملفات، وطلب منه السماح له برؤية أولاده «على الأقل في صبيحة يوم العيد (الفطر) لكن القاضي تلكأ عن تقديم جواب واضح».
يوم الجمعة الماضي، حُدّد موعد لموسى في دائرة التنفيذ في بعبدا للمثول أمام القاضي يوسف الحكيم للنظر في قرار المحكمة الشرعية بتسليم الأطفال إلى والديهم، غير أن القاضي رفض التصديق على حكم المحكمة الشرعية.
وفيما يواصل الرجل وزوجته رحلة المطالبة بأطفالهما يمكن تسجيل الكثير من الملاحظات:
أولاً، لم يأخذ الملف حقه في التحقيق القضائي، فقد بنيت القضية على ادعاءات الزوجة من دون أي تقارير طبية ومستندات تثبت أن الرجل يعنّفها وأولادهما وأن له سوابق في هذا المجال. ولعل تراجع الزوجة عن أقوالها يطرح تساؤلاً حول ما إذا كان لا بد من إعادة النظر بالقضية قانونياً؟
ثانياً، بنت وزارة الشؤون الاجتماعية قضية على أساس شكوى الزوجة والأولاد وقد تحدّثت في أحد كتبها الموجهة إلى القضاء بأن موسى كان يضرب أولاده ويرسلهم للاستدانة من المحال المجاورة لمنزله. هل دققت الوزارة في الأقوال والحيثيات وربما تكون كلها صحيحة، وهل الاستدانة من المحال تعد جرماً أو جنحة يعاقب عليها القانون؟ وهل يعلم أحد كم هي نسبة العائلات اللبنانية الفقيرة التي تستدين الطعام والشراب من المحال المحيطة بمنازلها؟ وهل تقوم الوزارة بتوظيف مرشدين اجتماعيين لتوجيه الآباء والأمهات في تربية أطفالهم؟ وكم هي عدد الدورات التي نظّمتها وتنظمها الوزارة لتدريب الآباء على التعاطي مع أولادهم؟
ثالثاً: هل يحق لجمعيات الحماية أن تقوم بإخفاء أطفال عن والدهم بغير مسوّغ قانوني ولمدة ستة أشهر؟
وأيضاً فإن جمعية «أبعاد» التي قامت بأخذ الأم والأطفال بناء على إحالة من مكتب الشؤون الإنمائية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية ـ الشياح، بناء على ادعاءات الزوجة وأقوالها، وبما أن الجمعية وفي كتاب موقع منها تعترف فيه بأن الزوجة «تملك ما يكفي من المؤهّلات النفس ـ اجتماعية لحماية أطفالها ورعايتهم»، وعليه وبعد تراجع الزوجة، أليس من حقها المطالبة بأطفالها؟ وإذا كان الأب هو المتّهم بالعنف، فلماذا لا يُعاد الأطفال إلى حضانة والدتهم وحدها؟

الملف عالق حالياً. أولاد في إحدى الجمعيات وأب وأم يحاولان لمّ شمل عائلة جرى تفريقها في قضية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. هل سيصل موسى وزوجته إلى خاتمة سعيدة يستعيدان فيها شمل عائلتهما قريباً؟

أدهم جابر – السفير


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني