فؤاد مخزومي
حوار الأبجدية هو حدث عالمي يجري بالتعاون مع الأونيسكو ومعهد العالم العربي. وهو جزء من مبادرات مجموعة مخزومي ويرمي لتعزيز الحوار، وهو مصطلح له عندي كلّ تقدير وقد كرّست حياتي من أجله.
ويعبّر مشروع حوار الأبجدية عن مفهوم مبدأ الحوار الذي نؤمن أنه أساس حياتنا السياسية والمجتمعية والثقافية والإنسانية عموماً. وقد انطلق المشروع من كون الأبجدية الفينيقية التي هي النموذج الأول للأبجدية في العالم، أهم مساهمة قدّمها لبنان للعالم أجمع.
أما الهدف من هذه المبادرة فهو إيجاد الطريقة الأمثل لتتفاعل كل الأبجديات حول العالم من أجل التأسيس للحوار من خلال التعبير العالمي. ويعدُّ حوار الأبجدية من أسمى أنواع الحوار لأنه يؤدي إلى تلاقح الثقافات.
بالنسبة للبنان، يهدف حوار الأبجدية إلى استعادة لبنان لصورته الإيجابية كأرض للثقافة والحوار والسلام وكشعب متنوع ومتعدد الثقافات يتشارك قيم التسامح والاحترام. ويطمح حوار الأبجدية إلى إعادة تعريف لبنان كأرض تاريخية متجذرة بالثقافة والمعرفة، وأرض تزدهر فيها التجارة العادلة، وأرض التنوع والحوار.
إسمحوا لي على هامش الحديث عن هذا المشروع الحضاري، أن أعرج أيضاَ إلى الواقع اللبناني الحالي. فلا مبالغة إذا قلنا أننا نحن في لبنان في أشدّ الحاجة إلى الحوار الهادف والصريح… الصادق والطامح إلى تواصل بين مختلف مكوّنات مجتمعنا. ولبنان في هذه الأيام وفي سابقها أيضاً يشهد “حوار طرشان” لا لسبب إلاّ لأن المتحاورين لا يضعون مصلحة الوطن في المقدمة… ولو فعلوا عبر الحوار الوطني والذي يضع مصلحة الوطن في المقدمة لكانوا توصلوا إلى قانون للانتخاب يعتمد النسبية من غير تردد أو خوف على المصالح الذاتية لكل فريق… مشكلتنا أن المتحاورين يضعون مصالحهم خصوصاً الطائفية والمذهبية فوق كل مصلحة. وهذه العلة أضعفت المؤسسات وتفتك بالاقتصاد بعد أن تفاقم الفساد المحمي بالطوائف والمذاهب والمحميات العصبية والفئوية. )فالدين العام قد تجاوز 75 مليار دولار، والنموّ معدوم، وتقرير البنك الدولي يشير إلى أن 10 في المئة من النائج القومي اللبناني يذهب ضحية للهدر والفساد المستشري من النفايات إلى الاتصالات (هدر بعشرات ملايين الدولارات)، والإنترنت (هدر 200 مليون دولار)، مروراً بالماء والكهرباء (بلغ العجز 1.4 مليار دولار عام 2016) والخليوي وحده (40 مليون دولار) والجمارك ومرفأ بيروت (400 مليون دولار) حيث أن إجمالي حجم الفساد يقدَّر بـ 195 مليون دولار على الرشاوى الكبيرة و14,2 مليون دولار على الرشاوى الصغيرة، عدا عن المطار والدوائر العقارية، والمرامل والمقالع والكسارات، والبلديات، والتوظيفات العشوائية إلخ.)
في ظلّ هذه الأوقات العصيبة التي يسود فيها التطرف والتعصب المذهبي، تبرز الحاجة إلى المبادرات مثل “حوار الأبجدية”، وإن نجح لبنان في الحفاظ على استقرار أمنه، بحمد الله، رغم كل ما يجري من حوله في الإقليم، نجد أن العمل على تحصينه على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واجب وطني. وأعتقد أن مثل هذا المشروع له مستقبل يشمل الثقافة: المواهب والابتكار والإبداع والتعليم، ويؤثر على السياحة والاقتصاد أيضاً وهو يشكل جزءاً من قيمنا وإيماننا.
أؤمن بأن هذا المشروع سينجح ويستمر إلى ما لا نهاية فهو يجمع بين الثقافة والتعليم والاقتصاد والتجارة، فالأبجدية كانت بوابة تجارة لبنان إلى العالم. ومن هنا أيضاً نجد أن هذه الغرفة العريقة لا بد من أن يكون لها موقعها في التبني والمشاركة في هذا المشروع. إن هذا المشروع جزء لا يتجزأ من قيمنا وحضارتنا وعلينا سوياً إعادة صورة لبنان إلى الجوهر انطلاقاً مما اشتهر به أي الأبجدية.
إن هذه الأرض، أرض لبنان كانت مهد الأبجدية وساهمت في انتشارها حول حوض المتوسط وصولاً إلى أوروبا، ويجب أن تبقى كذلك. لبنان حرزان.