صحيفة الجمهورية
فيما لا يزال لبنان والعالم منشغلاً بالقرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية من جهة، وايران من جهة أخرى، وذلك على خلفية تقرير للأمم المتحدة كشفت عنه المندوبة الأميركية في المنظمة الدولية نيكي هايلي وقالت إنه «يثبت إرسال إيران صواريخ للحوثيين في اليمن». وقالت «إنّ الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على السعودية الشهر الفائت «هو من صنع ايراني». ورحّبت السعودية بهذا الموقف الأميركي ودانت «النظام الإيراني لخرقه الصارخ للقرارات والأعراف الدولية، بما فيها قرارا مجلس الأمن 1559 و1701، المعنيّان بمنع تسليح أي ميليشيات خارج نطاق الدولة في لبنان (تحت الفصل السابع ) بالإضافة الى قرارَي مجلس الأمن 2231 ، 2216 . وطالبت المجتمع الدولي بـ»ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن أعلاه ، ومحاسبة النظام الإيراني على أعماله العدوانية».
داخلياً، أوّل عبور الحكومة بعد العودة عن الاستقالة كان شمعة الإفراج عن البلوكين 4 و9 اللذين يختزنان جزءاً من ثروة لبنان النفطية، والترخيص للتنقيب عن النفط وإنتاجه فيهما، مدخِلةً لبنان نادي الدول النفطية وسط تساؤلات عمّا إذا كان هذا «الذهب الأسود» سيصيبه ما اصابَ بقية الملفات من محاصَصات وهدرٍ وفساد، لأنّ اجسام معظم السياسيين «لبّيسة» .
وقد وافق مجلس الوزراء بالإجماع وسريعاً على هذا البند النفطي. ولفتت في هذا السياق مداخلة وزير المال علي حسن خليل الذي توجّه في مستهل النقاش الى الوزراء قائلا: «تعلمون انّ هذا الموضوع بالغُ الاهمية وقد اشبِع نقاشاً ودرساً، فتِقنياً لا نستطيع ان نناقشه لأنّ هيئة النفط أقرّته بالإجماع، ولا نعتقد انّ هناك من يختلف عليه، كلّنا نريده، فلنقرّه بسرعة ولنلتقِط هذه الفرصة ولا نضيّع مزيداً من الوقت».
وبعد إقرار هذا البند عقّبَ وزير الخارجية جبران باسيل لافتاً الى وجود عارضٍ وحيد، غامزاً بذلك من قناة ملف بواخر الكهرباء الذي أُحبِط لوجود عارض وحيد، مشيراً إلى «التناقض في مواقف بعض الاطراف».
وأشارَت مصادر «التيار الوطني الحر» الى انّ وزير الطاقة سيزار أبي خليل شرحَ بإسهاب خلال الجلسة تقييمَ العروض والتفاوض مع الشركات، مشيراً الى سبلِ تحسين شروط التفاوض في موضوع الاستكشاف والتنقيب، ما أدّى الى إقرار الترخيص للتنقيب عن النفط بلا ايّ اعتراض».
وقال ابي خليل لـ«الجمهورية»: «لبنان، عبر هذه الخطوة، بات في وضعٍ مختلف، إذ سينتقل من وضع اقتصادي ومالي الى آخر مزدهر».
وأوضَح «انّ العرض المالي في البلوك 4 يشكّل 8 نقاط فوق المعدّل العام بـ100 دولة اخرى في بيئات طبيعية مشابهة. امّا الوضع المالي في البلوك 9 فيلامس مستوى المعدّل في 100 دولة اخرى، ما يَعني انّ الوضع جيّد جداً، لا بل ممتاز وخصوصاً انّ الامر حاصل في دورة تراخيص أولى في مياه بحرية لا اكتشاف فيها قبلاً».
أمّا عن المراحل، فقال ابي خليل: «ستنفّذ كلّ الاعمال التحضيرية والدراسات البيئية والتقنية اللازمة، في سنة 2018، بالتوازي في البلوكين، ليبدأ التنقيب سنة 2019».
وسيَعقد ابي خليل مؤتمراً صحافياً الساعة الأولى بعد ظهر اليوم لشرح المراحل التي ستَلي إقرارَ مجلس الوزراء تراخيص النفط ودخول لبنان نادي الدول النفطية.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّها «أيّدت المسار القانوني لملف النفط، في اعتبار انّ إقراره حصَل وفقاً للقانون والأصول، ولكنّها سألت عن الفترة الزمنية للتنقيب، وهذا السؤال نفسه سأله باسيل للوزير أبي خليل». كذلك سألت «القوات»: «لماذا في البلوك 9 نسبة ربح الدولة أقلّ، فجاءها الجواب انّ كلفة الحفر مرتفعة أكثر ربطاً بطبيعة الأرض الجيولوجية».
برّي و«الخبرة» بالبحص
وعبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس عن ارتياحه الى إقرار البند النفطي، وقال: «لقد اصبَح لبنان مبدئياً دولة نفطية، فحتى ما قبل استخراج النفط، فإنّ وضعَه وموقعه سيتحسّنان على مستوى التصنيف المالي والاقتصادي، ومن فوائده الجمّة انّه يفيد ايضاً في تشغيل آلاف من اليد العاملة اللبنانية من مهندسين واختصاصيين».
وردّاً على سؤال حول البلوكات المتبقية وسبب اقتصار الترخيص الآن على البلوكين 4 و9، قال بري: «هذا الترخيص لهذين البلوكين هو لفائدة لبنان، وأنا كنت منذ البداية ضد التلزيم الشامل لكلّ البلوكات، ونزلنا عند نصيحة النروجيين بهذا الترخيص المحدود ببلوكين فقط لأنه في ضوء النتائج التي ستظهر من هذين التلزيمين يمكن ان يُستفاد اكثر لتحسين شروط لبنان في المفاوضات المقبلة مع الشركات بالنسبة الى البلوكات الاخرى».
ومن جهةٍ ثانية سئل بري عن تقديره للأسباب التي حالت دون ان يبقّ الحريري البحصة، فقال ممازحاً: «في العادة انّ علاج البحصة يتمّ إمّا بالتفجير وإمّا بالتفتيت، ويبدو انّها قد تفتتت واسألوني أنا ولا تسألوا حكيم لأنّي أنا خبير بالبحص».
السفارة في القدس
وعلمت «الجمهورية» أنه وبعد كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء طلبَ باسيل متحدثاً عن الكتاب الذي وجّهه الى المجلس مقترحا فيه اقتراح إنشاء سفارة لبنانية في فلسطين، شارحاً «أهمّية مبادرة لبنان الى مِثل هذه الخطوة الرمزية التي ربّما تدفع ببقية الدول الى ان تحذوَ حذوه، خصوصاً انّ مبادرة السلام العربية نصّت على انّ القدس عاصمة فلسطين، وهو الامر الذي من شأنه ان يحوّل فلسطين دولةً كاملة العضوية في الامم المتحدة».
ودار نقاش طويل طلبَ فيه الوزير جان اوغاسبيان التأنّي لتجنّبِ الالتباس في فهمه. فيما رأى الوزير خليل انّه «يحتاج الى نقاش دستوري وسياسي عميق ليست الظروف مهيّأة له في هذا التوقيت»، وطلب التزامَ موقف رئيس الجمهورية والتوصية الصادرة عن مجلس النواب في «جلسة القدس».
وقال: «الامر ليس بهذه البساطة مع تفهّمِنا للنيات الكافية وراء هذا الطرح، إنّ لهذا الموضوع ابعاداً سياسية وعقائدية وفكرية وثقافية، ونحن نعارضه من هذه المنطلقات».
وتوالى على الكلام الوزير علي قانصو الذي أيّد موقفَ خليل، وتمنّى أن يصدر عن الحكومة موقف محدّد وواضح ضد قرار ترامب، مؤيّداً التريّث في اقتراح باسيل ودرسه، فوافقه الوزراء حسين الحاج حسن ومحمد فنيش وغازي زعيتر ومروان حمادة وجمال الجرّاح.
وقال الحريري: «إنّ لبنان وافقَ على المبادرة العربية عام 2002 ويجب ان يبقى موقفه منسجماً مع هذا الامر». فأثنى عليه الوزير غسان حاصباني، وتقرّر تشكيل لجنة برئاسة الحريري وعضوية باسيل وخليل وفنيش والمشنوق وحمادة وسليم جريصاتي لمتابعته. وفُهِمَ أنّ هذا القرار سيكون مقدّمة لصرفِ النظر عن هذا الاقتراح.
الجَمل والجمّال
وخلال الجلسة حصَل اتصال بين الخليل وبري الذي عارض هذا الامر. وقال بري امام زوّاره: «هذا الموضوع لا يمكن ان امشيَ به، إنّ النيات حسنة، والمَثل يقول «الجَمَل بنيّة والجمّال بنية والحمل بنيّة».
إنّ هذا الأمر ينطوي على خطورة كبيرة ويخدم بنحوٍ غير مباشر ما قاله نتنياهو قبل يومين من انّ دولاً اخرى ستفتح سفارات لها في القدس بعد اعتبار الرئيس الاميركي القدس عاصمة لاسرائيل. بالنسبة إلينا، وإليّ شخصياً، فلسطين واحدة والقدس واحدة عاصمة لدولة فلسطين لا قدس غربية ولا قدس شرقية، وبالتالي فتحُ سفارة يضرب هذا المبدأ».
القمّة الروحيّة للقدس
وحضَرت قضيّة القدس بقوّة في بكركي أمس، حيث ساهمت القمّة الإسلامية – المسيحية بإخراجها من إطارها الضيّق وجعلِها قضيّة أمميّة تُطاول المسيحي قبل المسلّم.
وقد رَفض البيان الختامي للقمّة القرار الاميركي وطالبَ بالرجوع عنه «لأنه يسيء الى ما ترمز اليه مدينة القدس كمدينة روحية جامعة». وناشد المرجعيات السياسية «العمل معاً بغية الضغطِ على الادارة الاميركية للتراجع عن قرارها»، وقال: «ندعم الموقفَ اللبناني الرسمي الرافض قرار ترامب، والمشروعَ الذي طرَحه عون أمام الامم المتحدة في اعتبار لبنان مركزاً دولياً للحوار».
«المستقبل» ـ «القوات»
وعلى خط العلاقة بين تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» اطلق الحريري اشارات ايجابية في اتجاه «القوات اللبنانية» التي سارعت الى تلقفِها إيجاباً. وسُجّل على هامش جلسة مجلس الوزراء دردشة بين الحريري والوزير ملحم الرياشي الذي اتصَل برئيس حزب «القوات» سمير جعجع ناقلاً موقفَ الحريري الإيجابي وحرصَه على علاقة جيّدة مع «القوات» وأن يتوقّف السجال وتعود الامور الى مجراها الطبيعي من خلال قنوات الاتصال القائمة.
ووصَفت مصادر القوات لـ«الجمهورية» كلام الحريري بأنه «كلام طيّب ورسالة إيجابية نفّسَت التصعيد الذي كان قائماً، إلّا انّ هذا الامر لا يلغي حقيقة وجود جوٍّ تشكيكيّ حيالنا وتخويني وتضليلي منذ شهر حتى الأمس، وهذا امر يجب ان ينتهي، وهو يتطلب قراراً يضع حدّاً لكلّ هذه المسألة ويزيل نهائياً الجوّ الذي كان سائداً».