دوللي بشعلاني – الديار
اعتمدت الحكومة اللبنانية بالإجماع البيان الذي أعلنه رئيسها سعد الحريري في أول جلسة عقدتها بعد تريّثه عن الإستقالة والعودة عنها. وما كان مستغرباً أنّ البيان الصادر عنها التزم بما سبق لخطاب القسم والبيان الوزاري أن نصّا عليه فيما يتعلّق بالنأي بالنفس، ولم يعرض بالتفاصيل لأسباب الإستقالة التي فنّدها الرئيس الحريري في بيان إعلان استقالته من الرياض، ما يؤكّد عدم كتابته وصياغته بنفسه.
المهم أنّ الحكومة ستستأنف عملها الذي تعطّل لنحو شهر بشكل منتظم، والأهمّ أنّ البيان الذي صدر عنها قد طمأن دول الخارج، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية مواكبة، خصوصاً دول «مجموعة الدعم الدولية» باستثناء الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وعزت هذه الدول طمأنتها الى الوضع الداخلي في لبنان لناحية موافقة كلّ المكوّنات السياسية التي تتألّف منها الحكومة على البيان، وعلى الوضع الإقليمي لناحية التزام كلّ هذه المكوّنات بما ورد فيه لجهة النأي بالنفس عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب. وهذا الأمر يعني «حزب الله» بالتحديد، بحسب رأيها، كونه هو الذي أعلن عن تدخّله العسكري في العراق وسوريا واليمن.
وبناء عليه، أصبح بإمكان هذه الدول مراقبة تصرّفات كلّ المكوّنات اللبنانية، بمن فيها «حزب الله، ومساءلة الحكومة في حال تأكّدت من تدخّله في أي نزاعات أو صراعات أو حروب، أو في الشؤون الداخلية للدول العربية، في الوقت الذي تطالبها أي دولة عربية بوضع حدّ لتدخّل ما فيها. كما أنّها باتت في موقع مراقبة تنفيذ ما التزمت به مكوّنات الحكومة مجتمعة، على ما أوضحت، بالتزامن مع مسألة التنفيذ التي أوكلت للحريري أولاً.
ولهذا فإنّ إضافة عبارة «بكلّ مكوّناتها السياسية» على التزام الحكومة بالنأي بنفسها عن صراعات الدول الأخرى، وجدتها دول الخارج تعديلاً بسيطاً لكنه كافٍ لأنّه يُلزم «حزب الله» وسواه بعدم الخروج عن كلّ ما تُقرّره الحكومة لجهة عدم التدخّل في شؤون الدول العربية حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والإقتصادية مع أشقائه العرب.
وعلى هذا الأساس، تنتظر هذه الدول أن يُنفّذ «حزب الله» قولاً وفعلاً ما التزم به كونه أحد المكوّنات السياسية في الحكومة، على ما أوضحت، وفي حال استمرّ في تدخّله فستكون جاهزة لأن تطلب منه التقيّد والإلتزام بالبيان الذي وافق عليه. علماً أنّ الرئيس الحريري قد حذّر من أنّ عدم الالتزام بالبيان يضع لبنان في دائرة الخطر.
أمّا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الذي لم يرضهما هذا البيان، على ما كشفت الأوساط نفسها، كونها كانت تنتظر من الحكومة محاسبة «حزب الله» على تدخّله في سوريا واليمن، وعلى الطلب منه الإنسحاب الفوري منهما، عسكرياً وسياسياً، فتنتظران بدورهما أداء «حزب الله» في المرحلة المقبلة، ولن تغفلا عن أي خطأ يقوم به مجدّداً من وجهة نظرهما.
علماً أنّ مسألة تدخّل «حزب الله» العسكري في بعض دول المنطقة قد تراجع الاهتمام الدولي به نسبياً، مع القنبلة التي فجّرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال الإعلان عن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقله سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس، في منطقة تغلي أساساً ولم يكن من حاجة لإشعال النيران فيها أكثر. وإن كانت غالبية دول العالم لم توافق ترامب على قراره هذا الذي أمال الدفّة الى الجانب الإسرائيلي وأهداه ما يُريد مقابل أن يكسب المزيد من أصوات اليهود في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، وتجاهل حقوق الجانب الفلسطيني خلافاً لكلّ الإتفاقيات الدولية ذات الصلة.
كذلك فإنّ تجديد الحكومة تمسّكها باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني لجهة عروبة لبنان في الهوية والإنتماء، وعضويته كمؤسس وعامل في جامعة الدول العربية، كما في منظمة الأمم المتحدة، وفي حركة عدم الإنحياز، والالتزام بالمواثيق كافة، وتجسيدها هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء، قد ثمّنته دول الخارج أيضاً بشكل كبير نظراً لاحترام لبنان والالتزام بكلّ القرارات الصادرة عنها.
كما أنّ تطلّع الحكومة الى أفضل العلاقات مع الدول والشعوب العربية، يجعل الدول الخارجية مطمئنة أكثر الى حسن العلاقات فيما بينها. فالمحنة التي مرّ بها الرئيس الحريري في السعودية، وتدخّلت فيها سياسياً وديبلوماسياً بطلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي عرف كيف يُدير الأزمة ويُظهّرها خارجياً على أنّها «عمل عدائي» على لبنان من خلال احتجاز رئيس حكومته، لم تكن سهلة، على ما عقّبت، ولهذا فإنّ عودة العلاقات اللبنانية- السعودية الى طبيعتها تدريجاً لما فيه مصلحة البلدين والشعبين هو ما تطمح اليه دول الخارج بعد الجهود الأخيرة التي قامت بها وحقّقت النجاح.
وبرأيها، إنّ التوافق اللبناني الداخلي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على دول المنطقة لا سيما الأوروبية منها التي عانت أخيراً من الإرهاب، في الوقت الذي تمكّن فيه لبنان من القضاء على الإرهابيين ودحرهم من الحدود مع سوريا. فالإستقرار الداخلي اللبناني هو أكثر ما تدعمه دول الخارج في هذه الفترة بالذات مع قرب انتهاء الأزمة السورية وعودة الهدوء الى العراق ودول الجوار باستثناء اليمن.
أمّا سلاح «حزب الله» فترى الدول بأنّه لا بدّ من التفاوض حوله بين جميع المكوّنات السياسية على طاولة الحوار. غير أنّ المراقبين لا يجدون الوقت مناسباً في الوقت الحالي للدعوة الى مثل هذا التفاوض لا سيما بعد الغضب الشعبي الفلسطيني واستنفار إسرائيل تجاه حركات المقاومة في المنطقة. والحزب لا يُمكنه بالتالي نزع سلاحه اليوم أو دمجه بسلاح الجيش اللبناني، ما دامت إسرائيل تُهدّد لبنان بشن حرب جديدة عليه.
لهذا فإنّ انعقاد طاولة الحوار التي تُطالب بها دول الخارج سوف تؤجّل في المرحلة الراهنة، فالأولوية تُعطى اليوم للإنتخابات النيابية التي تؤكّد الأوساط أنّها ستجري في الموعد المحدّد لها أي في السادس من أيار المقبل. وتجد أنّه يُمكن بالتالي تأجيل البحث في موضوع سلاح الحزب لا سيما إذا ما توقّف عن استخدامه في دول الجوار، ما يغضّ طرف دول الخارج عن هذا السلاح وعن المطالبة بالتفاوض بشأنه في الوقت الحالي.