صحيفة الأخبار
وعد بلفور الجديد لم تظهر تبعاته السلبية كلها بعد، خاصة على صعيد ما ينتظر مدينة القدس المحتلة، وكذلك سكانها الفلسطينيين في بلدتها القديمة وأحيائها العربية وضواحيها، ولا ما قد يتبعه من قوانين إسرائيلية ينوي الكنيست أن يقرّها استناداً إلى المستجد الأخير، وستمس حياة هؤلاء وبجانبهم حياة أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948. يرى هؤلاء أن تركهم وحيدين هذه المرة ليس ككل مرة، فما يُحاك قد يخرجهم من دائرة المواجهة، ويحوّل حياتهم إلى جحيم خالص، أو ربما يجدون أنفسهم قانونياً مواطنين إسرائيليين، أو على عاتق سلطة فلسطينية ضعيفة لا تسمن ولا تغني من جوع، أو حتى «بلا قيد»
وفي الوقت الذي تبقى فيه العين مفتوحة لترصد هذه التحولات، في حال مرّ القرار الأميركي بإعلان القدس «عاصمة لإسرائيل» وتبعتها في ذلك دول أخرى لتستفيد إسرائيل من هذا التحوّل في تطبيق ما تريده، فإن العين الأخرى مفتوحة على الظروف الميدانية؛ كل المؤشرات على الأرض توحي بأن انتفاضة جديدة تلوح في سماء فلسطين، وإن لم تكن بوادرها مقبلة، فإن الإعداد لها يجري على قدم وساق.
من جهة أخرى، فإن المستوى السياسي المحبط لم يعد لديه ما يقدمه في روايته المعتادة، التي نقصت منها جملة «وعاصمتها القدس الشرقية»… أو القدس الشريف، إذ لم تنجح مفاوضات التسوية على مدى أكثر من عشرين عاماً، ولم ينل الفلسطينيون أي شيء وعدوا به: لا دولة، ولا حتى شبه دولة، ولا عاصمة، ولا حدود… ولعل موجة الغضب التي خرجت في الضفة أمس، وأدّت إلى إصابة ١٠٤ فلسطينيين، هي تعبير عن الإحباط من هذا الخيار، وغضب مرتبط برمزية القدس. مع ذلك، كان واضحاً أن هذا الحراك الجماهيري ما كان له أن ينطلق لولا كفّ السلطة يد أجهزتها الأمنية، والسماح للحشود بالوصول إلى مناطق التماس مع العدو، لتعود مشاهد المواجهات إلى كل من رام الله ونابلس والخليل وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم.
ووفق مصادر تحدثت إلى «الأخبار»، منح رئيس السلطة محمود عباس، قبل سفره إلى الأردن، الضوء الأخضر لقيادة حركة «فتح» عبر أقاليمها المختلفة وأمناء السر فيها، بحرية التحرك على الأرض بمختلف الوسائل، لكن مع التشديد على الابتعاد عن المظاهر المسلحة أو استخدام السلاح؛ فعباس لا يزال يصرّ على منع اندلاع انتفاضة مسلحة، وهو متمسك حالياً بخيار «المقاومة الشعبية». كذلك، طلب غض النظر على صعيد الفصائل الأخرى، إذ ترجمت دعوات للفصائل، كحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إلى التظاهر في الضفة عملياً، ولوحظت مشاركة واسعة من عناصر الحركتين ومؤيديهما في الضفة، وهو أمر لم تشهده الأخيرة منذ حرب غزة عام ٢٠١٤، في ظل ملاحقة الأجهزة الأمنية.
المشهد في الضفة آخذ بالتصاعد، وقد يصل ذروته اليوم (الجمعة)، خاصة مع بدء الدعوات إلى الحشد في المسجد الأقصى، وقد تتدحرج كرة الحراك إلى حد اندلاع انتفاضة على غرار انتفاضة الأقصى والحجارة، ولكن هذا الأمر يبقى مرهوناً بموقف السلطة وقيادات الفصائل، خاصة أن الحديث السياسي الرسمي يدور حول مراقبة «أداء الجماهير»، ثم قرار رام الله كيفية التفاعل معه: التصعيد… أو الاحتواء غالباً بعد مرور أسبوع مثلاً، وهي تقديرات تتشابه مع التقييم الإسرائيلي، إلا في حال حدوث «طارئ» كبير يقود إلى تصعيد أقوى. وسياسياً، جل ما أعلنته السلطة أنها لن تستقبل نائب ترامب في رام الله الأسبوع المقبل، كما أنها ترى أن «الاتصالات مع أميركا بحكم المقطوعة».
ووفق قيس عبد الكريم، وهو عضو في «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، سيبحث الاجتماع الأول لـ«اللجنة» غداً السبت «التداعيات السياسية لإعلان ترامب، والخطوات المقبلة من القيادة الفلسطينية على هذا القرار». وأوضح عبد الكريم، في حديث إلى «الأخبار»، أن في مقدمة الخيارات الدعوة إلى عقد المجلس المركزي للمنظمة، مشيراً إلى أن «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ستقدم مقترحاً عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إضافة إلى مشاركة رئاسة المجلس التشريعي ورؤساء الكتل النيابية».
مع ذلك، قالت مصادر إن حركة «حماس» ومعها فصائل أخرى تحاول إقناع عباس بعقد الإطار الوطني المؤقت لقيادة «المنظمة» ــ تشارك فيه قيادة الفصائل ــ قبل عقد «المجلس المركزي»، مضيفة: «في حال أصرّت السلطة على عقد الأخير فقط، فمعناه أن الرد سيدرس ضمن رؤية السلطة فقط… لكن يمكن أن يضغط عليها لتنفيذ مقررات المجلس الماضي، ومنها وقف التنسيق الأمني قبل الحديث عن عقد أي مجلس جديد».
بمَ تفكر المقاومة؟
على المقلب الآخر، تراقب قيادة المقاومة، من بيروت إلى غزة، ما يجري في الضفة أولاً، مع قرار بمسيرات على الحدود في قطاع غزة. القرار الذي اتخذته الفصائل هو: دعم المجموعات في الضفة والقدس والداخل المحتل، لكن مع ترك حرية العمل لها. ووفق المعلومات، ترى قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة نفسها في وضع مشابه لما كان عليه إبّان زيارة رئيس حكومة العدو الراحل أرييل شارون إلى الأقصى عام 2000، لذلك تريد الآن ترك المجال للتصعيد الشعبي قبل أخذ أي قرار بالتصعيد المباشر.
وعلى الصعيد الفتحاوي ــ العسكري، دعت الأجنحة العسكرية لحركة «فتح» في غزة مسلحيها إلى «الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في المدن والقرى الفلسطينية بكل الأساليب المشروعة وخاصة المسلحة». وطالبت في بيان تلاه أحد مقاتلي الحركة، أمس، «منظمة التحرير» بـ«سحب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وبشرعيته على أرض فلسطين، وقطع كل الاتصالات معه».
مع ذلك، لا نية لدى المقاومة في ترك المواجهة، بل لا بد من «تصعيد المواجهات تدريجياً وصولاً إلى العمليات الفدائية والانتفاضة المسلحة». وعلى الأرض، شملت المواجهات، التي لا يبدو أنها ستتوقف في الأيام المقبلة، محافظات الضفة كافة وأيضاً بلدات ومخيمات القدس. ورغم الأحوال الجوية الصعبة وقمع العدو للمتظاهرين، استمرت المواجهات وإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف من الصباح، واستمرت بالزخم نفسه حتى ليل أمس.
يتطابق هذا مع ما قالته مصادر في «حماس» لـ«الأخبار»، إذ أكدت أن الحركة توجه أنظارها إلى «تفعيل ساحة الضفة ودعم الانتفاضة من خلال الاتفاق مع فتح على تبنّي خيار المقاومة الشعبية في الضفة والقدس، وذلك لتجاوز قيود الأجهزة الأمنية على المظاهرات». وتشرح المصادر أن «حماس» الآن مع تبنّي المقاومة الشعبية وتأجيل تفعيل الخلايا العسكرية.
بدوره، في السياق نفسه، أعلنت الحركة، في كلمة لرئيسها إسماعيل هنية، أنها في «حالة طوارئ لكامل أذرعها»، وأنه «لم يعد هناك حديث عن دولة في حدود الـ67، بل (نطالب) بقيام دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني»، وهو ما يعني مبدئياً تراجع الحركة عن أهم ما ورد في وثيقتها التي أصدرتها منتصف العام الجاري. ولكن الدعوة الأهم كان مطالبة الحركة بإشعال الانتفاضة.
وفي ظل معادلة التوازن العسكري الجارية في غزة تحديداً، فإن «أي حرب عسكرية من غزة تعني وأد الحراك في الضفة والقطاع والقدس»، مع إدراك الفصائل أن «المواجهة قادمة، خاصة في ظل إصرار إسرائيل على تغيير التوازنات السياسية والميدانية» في القدس والضفة، علماً بأن اجتماعاً بين «فتح» و«حماس» عقد في القطاع أمس لمدة أربع ساعات لبحث هذا الشأن.
أما في غزة، فأُطلقت مساءً عدة صواريخ، في دفعتين على الأقل، باتجاه مستوطنات غلاف غزة، لكن صفارات الإنذار الإسرائيلية لم تدوّ، فيما قالت مصادر إن صاروخين فقط سقطا في مستوطنتي «سيديروت» و«ياد مردخاي»، والبقية على الشريط الفاصل مع العدو، الذي ردّ بإطلاق قذائف وصورايخ، في ما سمّاه «رداً موضعياً» على الصواريخ. وبينما شهدت المناطق الحدودية لغزة مواجهات بين الشبان وجنود العدو، من المنتظر أن تنطلق اليوم، بعد صلاة الجمعة، تظاهرات كبرى على الحدود وفي الداخل الفلسطيني والضفة والقدس المحتلتين. وتتوقع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقوع مواجهات عنيفة مع المصلين، لتعيد بالذاكرة ما جرى من مواجهات في تموز الماضي إبان أزمة البوابات الإلكترونية في محيط الأقصى.
كذلك، أصدرت «ألوية الناصر صلاح الدين»، الذراع العسكرية لـ«لجان المقاومة الشعبية»، بياناً صحافياً قالت فيه إن «قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني يؤكد عداء أمريكا لشعبنا الفلسطيني، وإن لم يتم التراجع عن القرار، لن نصبر طويلاً، وستكون السفارة الأمريكية هدفاً مشروعاً لمجاهدينا».
إلى ذلك، اجتمع محمود عباس بعيد وصوله الأردن مع الملك عبدالله الثاني، «بهدف بحث آخر التطورات». كذلك ستعقد القيادة الفلسطينية، مساء بعد غد الأحد، اجتماعاً طارئاً «لبحث الاعتراف الأميركي وما يترتب عليه». وقد تلقى عباس اتصالاً هاتفياً من رئيس المكتب السياسي السابق لحركة «حماس»، خالد مشعل، في الشأن نفسه.
(الأخبار)
«شكوى» فلسطينية في مجلس الأمن
قال المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، إن «شكوى قدمت إلى مجلس الأمن حول القدس ضد الولايات المتحدة، وفق رسالة القائم بالأعمال بالإنابة، السفيرة فداء عبد الهادي ناصر». وأضاف منصور أن فحوى الرسالة يطالب «مجلس الأمن بمعالجة هذه المسألة الحرجة… وضرورة إعادة تأكيد موقفه الواضح والقانوني بشأن القدس والمطالبة بإلغاء القرار الأميركي». كذلك، جاء في الرسالة أن الخطوة الأميركية ستؤدي إلى «زعزعة الاستقرار… وتشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين».