جوزف الهاشم – الجمهورية
منذ ما يزيد على النصف قرن، إنتفض الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان ثائراً على القادة العرب وزعماء فلسطين بقوله:
أنتُمُ المخلصونَ للوطنيَّهْ أنتُمُ الحاملونَ عبْءَ القضيَّهْ
في يدَينْا بقيَّةٌ منْ بلادٍ فاستريحوا كيْ لا تطيرَ البقيَّهْ
منذ ذاك، ولأنهم لم يستريحوا… ولأنهم استراحوا كثيراً، فقد أصبحتْ فلسطين “بقيّةً من بلادٍ” ثمَّ كادت أن تطير.
على مدى سبعين عاماً من عمر “وعد بلفور”، والطريق الى فلسطين وُضِعَتْ عليها إشارة ممنوع المرور، والعرب يتقيَّدون دائماً بقوانين السير.
وعلى مدى سبعين عاماً وفلسطين تناشد أهلها أن يهتدوا الى خريطة الطريق، ولأنهمْ لم يُحسنوا علْم الجغرافيا، أصبحت طريق فلسطين تمرُّ في جونيه.
وعلى مدى سبعين عاماً وأكثر، بدَلَ أن تنتفض الثورة الفلسطينية كالبركان: في القدس ورام الله وتل أبيب وحيفا ويافا، إنطلقت الى ما بعد بعد يافا فصائل متأجِّجة في الداخل العربي، وكلُّ فصيل مكتوبٌ على إسم دولة عربية، فكانت حرب العرب بالعرب وعلى العرب، حتى أزهر النضال العربي الثوري ربيعاً غارقاً في بحور من الدم.
عندما يختلط البترول العربي بالدم العربي يصبح الدم أيضاً مادة ملتهبة ووقوداً لبراميل الطائرات ويصبح الدم هو الذي يهدر الدم.
لو أنّ بعضاً زهيداً من عائدات آبار البترول الذي استَنْزَفتْهُ العباءات وهدَرتْهُ الأنظمة والداعشيَّات لتدمير العواصم العربية، أفلَمْ تصبح معه القدس عاصمة عربية لفلسطين؟
ولو تركوا لبنان على ما كان، ولم يعطلوا وحدته ودوره الحضاري وحضوره العالمي لكان الكفيل هو، بتحرير فلسطين بمثل تلك الطاقات التي وظَّفها في تحرير السيادة العربية واللغة العربية من هيمنة الأمبراطورية العثمانية، وموقف وزير خارجية لبنان جبران باسيل هو المعبِّر والمؤشِّر… فيما لا تزال الأيدي المنحرفة تستجمع الحجارة من جبل الزيتون في القدس لترشق بها قوى الأمن في جبل لبنان.
من البليّة أن نرى، أن هذا الفتى العربي الأغرّ الذي إسمه دونالد ترامب كان يصحّ أن تتظاهر الجماهير تأييداً له، لا تنديداً به، وهو الذي بزلَّةِ عقلٍ وقلم، قد حقق للقضية الفلسطينية والقضايا العربية ما لم تحققه الأنظمة العربية والتنظيمات الفلسطينية على مدى العجاف من خوالي السنين، فهو الذي:
– أقام فلسطين من الموت السريري، وأقام القدس من بين الأموات.
– أيقظ الذاكرة الراكدة، والنفوس الخامدة، والوجدان العربي، والحسّ الإنساني العالمي حيال قدس فلسطين.
– عوّم محور المقاومة والممانعة وأضفى على تنظيمات الإرهاب مشروعية نضال.
– دسَّ في قبضة كلِّ مؤمنٍ حجراً من جهنم لرشق الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر.
– أسقط العَلم الأبيض من يد راعي السلام ليصبح مطلوباً حياً أو ميتاً في فيلم رعاة البقر الأميركي.
بعد هذا يصح السؤال: هل القرار الأميركي منوطٌ في المطلق القومي والسياسي برئيس الجمهورية وحده؟ وطالما سمعنا أنَّ الرئيس عندما يشكل طغيانه تهديداً للمصالح الأميركية والأمن القومي هناك من يأمر باغتيال الرئيس؟
هكذا برَّر راهبٌ إقدامه على اغتيال الملك الفرنسي هنري الثالث لإن رجال الكهنوت أبلغوه أن قتل الطاغية عمل مشروع وشرف خالد لفرنسا.
ويبقى أن نسأل أخيراً: هل هناك رهبان في أميركا؟