| جاد ابو جودة- قد يرى البعض في الانتخابات الرئاسية اللبنانية معركة مصالح بين السعودية وإيران. وقد يعتبرونها تضارباً بين الطموحات الشخصية للأقطاب الموارنة الأربعة. ومن الممكن أن يراها آخرون منافسة بين برامج وتوجهات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية، وسواها من ميادين الحياة.لعل في كل ذلك شيء من الصحة، لكنه لا يكفي وحده لتحول الاستحقاق اللبناني الأهم، شأناً معلقاً بين التوافق أو الفراغ كل ستة أعوام، فإذا تم التوافق الخارجي، أسقط داخلياً، وصار لنا رئيس. أما إذا لم يحصل فالفراغ أو الشغور، وقبلهما أو بعدهما، الويل والثبور وعظائم الأمور.غير أن ثمة وجهة نظر أخرى من المسألة الرئاسية، نرى فيها شيئاً من الواقعية. إن المشكلة في الشأن الرئاسي هي قبل كل شيء مشكلة دستور. نعم، مشكلة دستور، تضاف إلى عشرات الثغرات التي خلفها اتفاق الطائف في النص الدستوري الذي عدل في المجلس النيابي عام 1990، بعد إقراره خارج الأراضي اللبنانية سنة 1989. فالدستور عينه الذي لا يحدد مهلة لرئيس الحكومة المكلف حتى ينجز مهمة التشكيل، والذي يعطيه إمكانية تعطيل تأليف حكومة جديدة إلى الأبد، والدستور الذي يحرم رئيس الدولة سلطة حل المجلس النيابي، والذي يجعل منه في بعض الشؤون أقل صلاحيات من وزير، لم يوضع ليطبق بعيداً من سلطة وصاية. فدستورنا الحالي إنما عدل لمواكبة مرحلة الوصاية السورية، وبالتالي صار تطبيقه اليوم شبه مستحيل، وصرنا بناء عليه، أمام مشهد مهين: فلبنان بكل بساطة، ليس اليوم كياناً، ولم يرقَ بعد إلى مصاف الوطن. وطن قدِّمت في سبيله كل تلك التضحيات، ينتظر حركة موفدين من هنا، ويعلِّق آمالاً على سفير من هناك، ويترقَّب إطلالة مشعوذة عبر شاشة، ليتبين رئيسه...رئيس من الشعب. إنه الحلّ الوحيد إذا لم تحصل "ترقيعة" جديدة. إجمعوا المجلس النيابي. أمنوا النصاب. عدلوا الدستور. أن يكون المسلمون أكثر من المسيحيين؟ تلك ليست المسألة، وذاك ليس الهم. فآخر مواطن لبناني في آخر ضيعة نائية، له الحق في اختيار الرئيس، أكثر من أعظم رئيس دولة، وأكبر سفير، عدا عن صغار اللاعبين الداخليين.أوقفوا الإهانة الكبرى. فإن لم يكن في سبيل الشعب، أو الأرض... "الترقيع" ممنوع هذه المرة، من أجل من يرقد تحت تراب الأرض، على رجاء قيامة لبنان. |



