| غسان ريفي -لم تعد محاور التبانة وجبل محسن تشكل أولوية للأطراف السياسية والدينية التي كان لها أذرع عسكرية في ميدان جولات العنف التي شهدتها على مدار السنوات الماضية، علما أنه حتى الأمس القريب كانت تلك الأطراف توحي بأن المشكلة الأساسية في طرابلس هي رفعت عيد وقيادات حزبه وأن تعاطي الدولة معهم بقوة وحزم من شأنه أن يُخرج المدينة من أزمتها الأمنية وأن يعيد الأمن والاستقرار إليها.وكشفت التطورات الأخيرة في طرابلس أن الأمن في المدينة ليس محصورا بالصراع بين جبل محسن من جهة وباب التبانة والقبة من جهة ثانية، لكن خطوط التماس في تلك المناطق كانت تستخدم في كل مرة تحت عنوان سياسي معين، للاستفادة منها في تمرير رسالة سياسية هنا، أو ممارسة ضغط أمني على جهة ما هناك.مع تنفيذ الخطة الأمنية في أول نيسان الماضي وعودة الاستقرار الى طرابلس على مدار ثلاثة أشهر، أقفل صندوق البريد الطرابلسي موقتا، في وقت كانت فيه الرسائل السياسية والأمنية تتراكم على الصعيد اللبناني، من الفراغ الرئاسي الى تعطيل المؤسسات الدستورية، الى مختلف الأزمات، وتضاعف من حدة الاحتقان الذي لم يعد يوجد أي مكان في لبنان لايجاد تنفيسة له.ويعلم كل من يدير اللعبة الأمنية، أن أي محاولة للعبث الأمني في بيروت أو في المناطق الحساسة والمتداخلة سياسيا ومذهبيا، قد يؤدي الى فلتان سريع يصعب احتواؤه أو السيطرة عليه، ويمكن أن يجر البلد بكامله الى ما لا تحمد عقباه.لذلك، فقد عادت الدائرة الأمنية لتدور على طرابلس من جديد، كونها المدينة المؤهلة لكل أنواع التوترات التي يمكن حصرها في أماكن محددة، وضمن ساحات مضبوطة، وبأدوات يمكن السيطرة عليها.وقد أثبتت جولات العنف العشرين الماضية أن الفلتان الذي تشهده طرابلس لا ينعكس على محيطها، ولا يؤثر سلبا في الوضع الأمني في لبنان عموما، بل يبقى محصورا في أماكن محددة، ويمكن التصدي له وإنهاؤه بـ«كبسة زر».وما يزيد الطين بلة أن الصراعات القائمة في المدينة، سواء بين الأطراف السياسية المتنازعة، أو ضمن الفريق السياسي الواحد، أو بين الأجهزة الأمنية، إضافة الى التباينات الحاصلة بين المشايخ وخلافاتهم مع بعض القيادات، ومحاولة بعضهم الاستفادة مما يحصل في المنطقة لتعزيز نفوذه، فضلا عن ضعف المجتمع المدني وإنقسامه على نفسه، كل ذلك يجعل ساحة طرابلس مفتوحة وغير محصّنة أمام أي استهداف يمكن أن تتعرض له، ويحول دون إمكان تحقيق أي ضغط سياسي على الدولة ومؤسساتها لتوفير الحماية الكاملة للمدينة.كما أثبتت التجارب الماضية، ان طرابلس لا تواجه أزمة أمنية داخلية في منطقة محددة منها أو بين طرفين متنازعين، ولا يوجد «عين حمراء» بينها وبين الجيش اللبناني أو القوى الأمنية الأخرى، بل إن طرابلس يتم استهدافها في أمنها عبر توفير السلاح للفقراء ليقتلوا بعضهم بعضا تحت عناوين سياسية ومذهبية، أو عبر التحريض على المؤسسة العسكرية، أو عبر تحريك بعض الأدوات فيها لأهداف محددة، أو عبر ممارسة الضغط على بعض التيارات الاسلامية لاخراجها عن طورها.ولعل ما يثير الاستغراب في طرابلس، أن السلاح الذي كان يظهر للقتال بين التبانة وجبل محسن، عاد الى الشارع من دون أية أسباب موجبة، والقنابل الليلية التي كانت ترمى ضمن إطار الصراع التاريخي بين المنطقتين، عادت بعدد أكبر وبمساحة أوسع وصولا الى عمق المدينة، والعبث الأمني من اشتباكات فردية وقطع طرقات، عاد أيضا ليرخي بظلاله القاتمة على المواطنين، فضلا عن التوقيت الخاطئ لبعض التوقيفات التي قد تعرض أمن المدينة للاهتزاز، وكان آخرها توقيف حسام الصباغ الذي يُجمع كل المسؤولين في المدينة على أنه كان الوحيد القادر على ضبط الشارع، وأن توقيفه في العشر الأخير من رمضان من شأنه أن ينعكس سلبا على الموسم التجاري.ولعل أخطر ما تواجهه طرابلس اليوم هو الحملة الواضحة والممنهجة على الجيش والتي بدأت تدفع بعض الموتورين الى التجرؤ على استهدافه، الأمر الذي يضع طرابلس أمام خيارين لا ثالث لهما: اما انكفاء الجيش أمام سيل الاتهامات والاستهدافات التي يتعرض لها وترك أمر الشارع الى المسلحين، أو حصول مواجهات بين الجيش والمسلحين بما يعيد سيناريو مخيم نهر البارد، في وقت لا تزال فيه المعالجات السياسية لجهة اتخاذ التدابير الاستباقية والوقائية لتفادي الوقوع في المحظور دون مستوى المخاطر التي تحيط بالمدينة.عودة الرايات الإسلاميةأثار قيام مجهولين بإزالة الرايات الاسلامية المرفوعة في ساحة عبد الحميد كرامي حفيظة مجموعات اسلامية تجمعت في الساحة وطالبت بإعادتها الى مكانها، ومحاسبة من قام بهذا العمل. وقد سارع عدد من مسؤولي "حركة التوحيد الاسلامي" (الأمانة العامة) المشرفة على الصيانة الدائمة لإسم الجلالة الى إعادة رفع الرايات الاسلامية في مكانها الى جانب الأعلام اللبنانية المرفوعة بجانبها.www.assafir.com |



