«تجميل سياسي» في ورشة شارع سوريا. رفض في التبانة لأزرق «المستقبل»

12:482014/06/09
A
|
A
|







غسان ريفي -راحت «سكرة» تيار المستقبل بإطلاق مشروع تأهيل مباني شارع سوريا في التبانة بهبة مقدمة من الرئيس سعد الحريري، وجاءت «فكرة» الواقع الأليم الذي تعيشه هذه المنطقة المنسية التي تعاطت مع هذا الحدث ببرودة شعبية، لكونها تحتاج الى أكثر بكثير من دهن واجهات مباني شارعها الرئيسي باللونين الأزرق والأبيض (وهما اللونان اللذان يتشكل منهما علم تيار «المستقبل»).وإذا كانت هذه «البرودة» تجلّت بالحضور الخجول في المهرجان الذي أقيم بالمناسبة وبرعاية حكومية وكان من المفترض أن يكون شعبياً، فإن سخونة شعبية بلغت حدود الغليان تلت المهرجان وتمثلت باعتراضات من قبل الأهالي على آلية تنفيذ المشروع وتفاصيله ونتائجه وجدواه، في وقت لا يجد فيه آلاف المتضررين وعوائل الشهداء والجرحى مَن يعوّض عليهم جزءاً من الخسائر التي ألحقتها بهم جولات العنف المتلاحقة التي خيضت ضد جبل محسن تحت شعارات سياسية عدة.وبدا واضحاً أن هذه الاعتراضات الشعبية ساهمت في تفريغ مشروع الحريري من مضامينه السياسية والأمنية والإنمائية والاجتماعية.ففي السياسة، لم ينجح التيار الأزرق في إظهار شعبيته أو في استعادتها بعد طول غياب، في منطقة كان يعتبرها أحد أهم معاقله الطرابلسية، كما لم يستطع أن ينفي عنه التهم التي يتناقلها أبناء التبانة لجهة استغلاله المنطقة سياسياً وأمنياً، وتوريط شبابها بشعارات تحريضية، ومن ثم التخلي عنهم بين ليلة وضحاها، وتحويلهم من مدافعين عن منطقتهم بوجه المعتدين عليها، إلى إرهابيين مطاردين ومطلوبين للعدالة.كذلك على الصعيد الحكومي، فقد شكلت رعاية الرئيس تمام سلام لإطلاق المشروع اعترافاً بالتقصير والعجز حيال معالجة أبرز الأزمات التي تعاني منها التبانة التي تريد من الدولة أن تأخذ دورها في إعادة إنمائها وإعمارها، وليس أن تبقى عرضة للتنافس السياسي والانتخابي عليها بمشاريع لا تغير من واقع الحال شيئاً، ولا تسمن ولا تغني من جوع.وفي الأمن، لن يتمكن مشروع دهان واجهات المباني من محو خطوط التماس، خصوصاً أنه لا يوجد من يضمن عدم عودة عقارب الساعة الأمنية الى الوراء، وقد تجلى ذلك قبل يومين عندما كادت الاشتباكات أن تعود الى ما كانت عليه بسبب الاستفزازات التي صدرت عن جبل محسن بإطلاق النار ابتهاجاً بفوز الرئيس السوري بشار الأسد بولاية رئاسية ثالثة، فضلاً عن عدم مبادرة أي من الأطراف السياسية بمعالجة الجرح النازف منذ أربعين عاماً بين التبانة وجبل محسن والعمل من أجل القضاء على كل فتائل التفجير.وفي الإنماء، بدا من تفاصيل المشروع أنه لا يعدو كونه دعاية انتخابية لتيار «المستقبل» يريد من خلالها الإيحاء أن الانتماء السياسي للتبانة له، حيث فوجئ الأهالي أن المشروع لا يتضمّن ترميم أو إصلاح الأبنية أو الشرفات والنوافذ المتضررة، بل يقتصر على دهن الأبنية، وحصراً باللونين الأزرق والأبيض. وقد أثار ذلك اعتراضات كثيرة، وأبلغ عدد من الأهالي الشركة المتعهدة بأنهم لن يسمحوا لها ببدء عملها وبتحويل أبنية شارع سوريا الى مجسّمات لأعلام تيار «المستقبل»، لافتين النظر الى أن تيار «المستقبل» يجب أن يدفع للأهالي لقاء دهن منازلهم بلوني علمه، شأنهم في ذلك شأن كل الشركات الإعلانية التي ترفع شعاراتها على المباني، لا أن يمرر هذا الأمر تحت ستار مشروع تأهيل وترميم شارع سوريا.وفي الجانب الاجتماعي يريد أبناء التبانة الاهتمام بالبشر قبل الحجر، على اعتبار أن المنطقة المصنفة الأسوأ في تقارير الأمم المتحدة على ساحل المتوسط وفيها أدنى مستويات الفقر، تحتاج الى من ينهض بعائلاتها وأراملها وأيتامها وجرحاها ومعوقيها، لا أن يتم دهن شرفات منازلهم.ويقول إمام مسجد حربا الشيخ مازن المحمد لـ«السفير»: «يجب على الدولة اللبنانية أن تأتي وتزيل كل الصور واليافطات السياسية من التبانة، وأن تأخذ دورها في الإنماء والإعمار، فهذه المنطقة لبنانية وأهلها لبنانيون ولديهم حق على الدولة بأن تتكفلهم وتحل أزماتهم وتوفر لهم الأمن والاستقرار، لا أن تبقيهم عرضة للاستغلال السياسي».ويقول محمد خلف (من بعل الدراويش) إن «التبانة تحتاج الى من يساعد عائلاتها الفقيرة والمعدمة، وإلى من يؤمن فرص عمل لشبابها كي يعيشوا بكرامة، وإن المال الذي سيصرف على دهان المباني يمكن أن يستخدم في بلسمة جراح مئات العائلات».ويضيف: «نوجّه رسالة إلى الرئيس سعد الحريري بأن يتعاطى مع الطبقة الفقيرة من دون حواجز، وأن يرسل أشخاصا موثوقين من قبله للاطلاع على حاجات مناطقنا لنقلها إليه بأمانة وصدق، وأن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بالاطلاع على أزمات التبانة والعمل على حلها، فكل الشباب العاطلين عن العمل أو الذين استشهدوا أو جرحوا أو أوقفوا كلهم وراءهم عائلات تحتاج إليهم، ولكن لا من يسأل ولا من يهتم».ويقول أحد الناشطين الاجتماعيين في التبانة إن تيار «المستقبل» تعاطى مع المنطقة، «مثل شخص تم إخراجه من العناية المركزة، وبدل أن يسارع المهتمون به الى شراء الأدوية التي تبقيه على قيد الحياة وتساهم في تحسين صحته، اشتروا له ثياباً جديدة!».


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني