تمدّد «داعش» والخطر على وحدة العراق وسورية (العميد أمين حطيط)

05:332014/06/12
A
|
A
|







قبل الانتخابات العراقية الأخيرة، جهدت القوى الخليجية ومن يدور في فلكها، في البحث عن إجابة عن سؤال طرحته حول مصير العراق ووحدته فيما لو عاد نوري المالكي إلى السلطة في ولاية ثالثة، أو استمر الحكم في العراق في يد رئيس وزراء مسلم شيعي يدور في فلك إيران أو يضع العراق في منطقة وسطية بعيدة عن الإملاء الخليجي وقريباً من محور المقاومة الممتدد من إيران الى حزب الله في لبنان شاملاً سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد.عندما أسفرت الانتخابات العراقية عن تأكيد المخاوف الخليجية لناحية قدرة المالكي عالية الاحتمال بالعودة الى رئاسة الحكومة، وتأكيد التحالف الإسلامي الشيعي قدرته على تشكيل حكومة أكثرية وطنية سياسية بات يملك 178 صوتاً ويلزمه فقط 165 ، كان السؤال الرئيسي هنا كيف سيكون رد خصوم المالكي وأعداء محور المقاومة لقطع الطريق على هذه الإمكانات والاحتمالات سريعاً وقبل فوات الأوان خاصة أن متغيرات استراتيجية عميقة ظهرت في الآونة الأخيرة جعلت الغرب يقترب من إيران ويتهيّأ لحسم موضوع الملف النووي معها وليفتح صفحة جديدة في العلاقة البينية الغربية الإيرانية، ما يتيح لإيران التفرغ لتوسيع فضائها الاستراتيجي الحيوي، فضلاً عن تعزيز قدرات محور المقاومة الذي تلقى جرعة قوة استراتيجية كبرى من البوابة السورية تحت عنوانين، سياسيّ عبر نجاحها في تنظيم الانتخابات الرئاسية وتثبيت الرئيس بشار الأسد في موقعه قائداً لسورية، وميدانيّ من خلال الإنجازات العسكرية المتلاحقة التي قطعت الطريق على أي ظن خارجي أو إرهابي حول امتلاك شيء مؤثر في المشهد السوري يغير وجهة الميدان.في ظل هذه التطوّرات، وفي ظل العجز الخارجي سياسياً وعسكرياً عن تحقيق الطموحات الغربية أو الخليجية في العراق وسورية، يبدو أن الاتجاه الخليجي بقيادة سعودية اتخذ منحى الضغط ميدانياً في العراق وسورية معاً لقطع الطريق على الجهات المختصة في البلدين بأن تستثمر نجاحاتهما الأخيرة. ووقع الاختيار على شرق سورية ووسط العراق لتنفيذ الضغط، إذ تقوم مناطق ذات لون وطبيعة ديمغرافية معينة من المسلمين السنّة، وقبائل وعشائر في معظمهم ، وينشط تنظيم متطرّف يشكل أحد الفروع الأساسية لتنظيم «القاعدة» الوهابي، الذي أعلن عن سعيه إلى إقامة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» دولة يكون فيها الحكم للوهابيين وحدهم من غير شريك، أما الآخرون فيكون مصيرهم، إما تغيير المذهب والدين، أو القتل، أو الطرد، أو الذمية .وقع الخيار إذن على «تنظيم» الدولة الإسلامية في العراق والشام» والمختصر بكلمة «داعش» الأحرف الأولى لكلمات التسمية كي يكون أداة الرد على نجاحات العراق وسورية الأخيرة. و»داعش» كما هو معروف تنظيم نشأ أصلاً في العراق بعد الانسحاب الأميركي منه ومع اندلاع الأعمال الإرهابية في سورية ضد الحكومة الشرعية فيها بقيادة الرئيس الأسد، وكانت نشأته على ما ظهر وأعلن لمواجهة ما اسمي بـ»خروج السلطة من يد أهل السنّة، ومنع النفوذ الإيراني في العراق»، ورفع شعار دولة الخلافة الإسلامية. وللتذكير فحسب، فإن هذا التنظيم خطا خطواته الأولى متكئاً على العراقيين السنّة وحدهم وشملوا عدداً لا بأس به من الضباط السابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين.بعد إنجازات حققتها في الجانب السوري في مواجهة «جبهة النصرة» وغيرها من تنظيمات مسلحة وإرهابية مثل مجلس الشورى «مشمش» ، نفذت «داعش» خطتها، مستفيدة من الدعم الخليجي السخي، ومن خبرات عسكرية مهمة وفرها الضباط العراقيون السابقون سواء بوجودهم في مجلس قيادتها للتخطيط وإدارة الحرب أو في الميدان للمواجهة العسكرية وأفادت من حالة شعبية ملائمة قائمة في المناطق السنّية في العراق، ونفذت عملية اجتياح سريع بسطت خلالها سيطرتها على منطقة واسعة في وسط العراق من نينوى الى صلاح الدين والفلوجة ووصلتها بمناطق سيطرتها في سورية الرقة وريف دير الزور الشرقي وامتلكت بذلك زمام منطقة شاسعة متماسكة، ذات أهمية استراتيجية سواء بموقعها الجيوسياسي أو بثرواتها وهي تتوسط تركيا في الشمال والمنطقة الكردية في الشرق والشمال الشرقي والمنطقة الشيعية في الجنوب وسورية في الغرب، وفيها حجم كبير من آبار النفط كما تمر عبرها أنابيبه من الشرق في اتجاه الغرب الى تركيا وسواها. وهنا يطرح السؤال: هل دق هذا الاجتياح ناقوس الخطر مهدّداً وحدة العراق وسورية؟ خاصة أن للمنطقة من المؤهلات ما يسمح للبعض بالكلام عن قدرة على إنشاء دولة فيها؟لا شك في أن وصول «داعش» الى هذا الوضع في ظل الظروف الراهنة يعتبر تهديداً خطيراً للأمن القومي العراقي والسوري ولوحدة العراق وسورية لاحقاً، وسيجبر هذا الخطر جميع المتضررين منه على مراجعة مواقفهم وعلاقتهم البينية لمواجهته، وفي حال اتخاذ القرار بالمواجهة الجدية، فإني أرى أن أخطار «داعش» سيتم حصرها واحتواؤها ولن تتعاظم لتصل الى درجة تقسيم العراق أو سورية، خاصة أن هناك أكثر من عامل يمنع نجاح مشروع «داعش»:1 لن يكون في وسع «داعش» التمدد الى المنطقة الجنوبية في العراق المنطقة الشيعية في أي شكل من الأشكال، ولن تتمكن من الوصول إلى أيّ منفذ بحري في أي اتجاه، وستبقى محصورة في الصحراء والمناطق الداخلية، حتى أن تهديدها الذي يحكى عنه لبغداد لن يكون في الحجم المؤثر بعد التحول الديمغرافي الكبير الذي أصاب بغداد في السنوات العشر الأخيرة.2 ستشكل «داعش» تهديداً جدياً للمنطقة الكردية في الشمال وللأكراد في سورية، ما سيلزمهم بالدفاع عن النفس في حال قررت «داعش» التوسع على حسابهم وسيكون عليهم مراجعة علاقتهم بالحكومة المركزية في بغداد وبالدولة السورية في دمشق طلباً للدعم والمساعدة على أكثر من صعيد. كما أن التعاون الكردي العراقي في الشمال مع الحكومة المركزية في الجنوب، والارتباط الوثيق مع دمشق سيضع «داعش» بين فكي كماشة ...


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني