نهلا ناصر الدين- في زمن الفراغات جاءت داعش لتملأ الفراغ الرئاسي والسياسي والإعلامي، ولكن على طريقتها.إنها إنفلونزا "داعش" التي بدأت عاصفتها تلفح الأجواء اللبنانية مؤخراً، هي كما كلّ الأمراض الموسمية التي تتغلغل في البيئات المناسبة وتتملك في الأجسام قليلة المناعة.فكيف ينظر الشارع السني إلى هذه الظاهرة، وما هي المبادئ التي يتفق معها والأخرى التي يعارضها. وهل حقاً أن البيئة السنية اللبنانية غير صالحة لهكذا تنظيمات، أم أن التطرّف وجد طريقاً له داخل الاعتدال السنّي متذرعاً بتردّي الوضع السياسي والأمني والانقسامات الحزبية والسياسية، ومتخذاً من الاحتقان الطائفي والمذهبي الذي طغى مؤخراً على الساحة اللبنانية في ظل تدخل حزب الله في المعركة السورية جسراً للعبور لداخل الجسد اللبناني السقيم."فتلة" استفتائية صغيرة لـ"البلد" في بعض شوارع العاصمة بيروت ، تبين مدى انقسام الشارع السني اللبناني الحاد حول "داعش"، وتعارض الآراء حول أسباب ظهورها ومبادئها ومصادر تمويلها.من جاء بداعش ؟فبعضهم رأى أن تدخل حزب الله في الحرب السورية هو الذي أدى لدخول داعش إلى لبنان، يجزم مصطفى من طريق الجديدة بأن "حزب الله هو من جاء بداعش إلى لبنان، ولو لم يتدخل حزب الله بسورية لما جاءت داعش". ورأى بأن "تطرف حزب الله الشيعي هو الذي خلق تطرف حزب داعش السني وإرهابه".في الوقت الذي عارضت فيه منى من سكان طريق الجديدة أيضاً رأي مصطفى بشكلٍ قاطع ورأت بأن لتنظيم "الدولة الإسلامية في الشام والعراق" مشروعه التوسعي المعلن ولبنان جزء من هذا المشروع، وداعش كانت ستأتي إلى لبنان سواء تدخل حزب الله في سورية أم لم يتدخل. قائلةً "وقت إجا فتح الإسلام على لبنان ما كان في أزمة بسورية".وساندتها ليلى قائلةً "متل ما جابت بهية الحريري فتح الإسلام علبنان ودعمتون جابت داعش ودعمتون"، مشدّدةً على أنه "لا يمكن أن تأتي هكذا تنظيمات إلى لبنان دون دعم وتمويل من جهة لها مصلحتها من بث الفتنة المذهبية في البلد". نافية أن يكون لتدخل حزب الله أي دور في دخول داعش إلى لبنان.بيئة حاضنة ؟شبه إجماع لبناني يعلو ليقول بأن البيئة السنية لا يمكن أن تكون بيئة حاضنة لمثل هكذا تنظيمات متطرفة بسبب ممارساتها اللاإنسانية، حيث ينفي محمد نفياً قاطعاً أن تكون لداعش بيئة حاضنة في لبنان قائلاً "ما إلون خبز بلبنان، لأن أعمالهم الإجرامية لا يمكن لأي فئة لبنانية أن تتقبلها". ولكن يبقى التعارض سيّد الموقف في الشارع اللبناني، فرأى أحمد أنها وجدت من احتضنها وأمن لها الحماية داخل المخيمات الفلسطينية، مؤكداً لـ"البلد" وجود داعش في البداوي ومخيم عين الحلوة.حقيقة أم خيال ؟ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في الشارع اللبناني من اخترع داعش، وهل هي حقيقة أم وهم، فبين شارعٍ وشارعٍ تستوقفك الآراء التحليلية المتناقضة حول هذا الموضوع. فكثيرون هم الذين رأوا في داعش مجرّد بدعة خلقتها الأنظمة العربية الديكتاتورية لتبرر وجودها من خلال ادعاء محاربة الإرهاب. يقول جهاد "داعش بدعة اختلقها النظام السوري ونظيره العراقي لتبرير وجودهما وكسب رضى الغرب بادعاء محاربة التطرف". ويؤكد إيهاب أن "لا وجود لما يسمى داعش في لبنان، ولو كل زعيم بضب زعرانو من الشوارع ببطل في لا داعش ولا حالش".وآخرون رأوا في داعش ما رآه جهاد واتفقوا معه على أنها مجرّد بدعة ولكنهم اختلفوا معه حول من اخترع هذه البدعة. يقول فراس" داعش مشروع صهيوني-أميركي لضرب الشعب العربي وتمزيقه وزرع الفتنة في الوطن العربي وإلهائه عن القضية الفلسطينية". ويقول عبدالله "من اخترع بن لادن ثم قتله هو من اخترع داعش، ومن دعم صدام حسين ثم نسفه هو نفسه من يدعم داعش اليوم وسينسفها في الوقت الذي يتناسب مع مصالحه".داعش ثورة !أما المفاجئ هو أن نرى في صفوف الشباب اللبناني من يرى في داعش ثورة حقيقية لها مبادئها وقضيتها التي تدافع عنها وتعمل على تحقيقها، فشدّد أحمد على أن "داعش هي ثورة ولكن يتم استعمالها كشماعة لتعليق كل الأعمال الإرهابية عليها، ضارباً المثل في العراق "كل الدول العربية لها يد بخراب العراق من سورية إلى السعودية وإيران وقطر، فلماذا كل عمل إرهابي نتهم به داعش ونغض النظر عن الإرهابيين الحقيقيين" قائلاً "الفرق بين داعش والأنظمة العربية أن داعش أوضح بجرائمها". ورأى أحمد أن البيئات العربية التي تستوعب إرهاب الأنظمة في المقابل ستستوعب إرهاب داعش."الحق عالدولة"ويبقى في الشارع اللبناني من يقف موقف المعارض لأي تنظيم مسلّح يشهر سلاحه بوجه الدولة اللبنانية، مثل فؤاد الذي رفض لغة السلاح من أيّ جهةٍ كانت سواء "داعش أم حزب الله أم غيرهما"، مشيراً إلى أن "هناك ملاحظات على ممارسات الدولة اللبنانية ولكن يجب أن تُعالج بالتفاهم والنقاش وليس بالسلاح".وتشاركه الرأي هبة التي حمّلت الدولة اللبنانية مسؤولية وصول داعش إلى لبنان "السبب الأساسي الذي سمح بخلق مثل هكذا تنظيمات في لبنان هو اهتراء النظام اللبناني الذي بات يحتاج لنفضة كاملة".إذاً لا جواب شافيا في الشارع اللبناني حول حقيقة "دولة الإسلام في الشام والعراق" أو ما يسمى بتنظيم "داعش"، وحدها الأيام القادمة كفيلة بفك شيفرات هذه الظاهرة التي ضربت شهرتها أصقاع العالم بسنواتٍ قليلة، ووحدها محكمة التاريخ ستعرّي صانع هذه اللعبة أمام جرائمه يوماً ما. |