FRI, 14-3-2025

انتصار تموز 2006 «غيّر وجه المنطقة»

16:132014/08/14
A
|
A
|


عادة ما تكون الحروب لاحقة لمرحلة إعداد ودراسات مسبقة، كما أنها تخضع للأجواء السياسية والمعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى الدوافع والنيات المبيّتة. ولمّا كان عنصر المفاجأة هو الأبرز في إنجاح كل حرب، فإنّ معظم الجيوش تتكل على مفاجأتها للخصم بالمبادرة للهجوم. وبالنسبة لحرب تموز في لبنان العام 2006، يبدو أن خطف الجنديين الإسرائيليين لم يكن السبب المباشر في اندلاعها. وفي حين بات واضحاً كيف يعمل الإسرائيلي بالطريقة الغربية القائمة على التخطيط بعيد المدى، فإنّ العرب ما برحوا يفكّرون إلا ببطونهم. وبالرغم من الدراسات والتصريحات التي تشير إلى أن تلك الحرب كان معداً لها مسبقاً، يصرّ البعض على تسخيف نصر المقاومة على أقوى جيش في المنطقة.

ولعلّ ما تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية حينها، كوندوليزا رايس، عن أنّ المنطقة تشهد مخاض ولادة شرق أوسط جديد لم يكن كلاماً عابراً. فنصر المقاومة في لبنان أفشل كل المخططات التي أعدت مسبقاً ما دفع بالقوى الاستعمارية لأن تنحو نحو تفتيت المنطقة من الداخل، وهذا ما يحصل في معظم البلاد العربية.

الحروب ليست صدفة
ليس دقيقاً القول إنّ تفجير برجي التجارة في نيويورك العام 2001 كان شرارة تغيير وجه العالم الذي أرادته الولايات المتحدة. فهي لا تقوم بحروب على أساس الفعل ورد الفعل، بل إنها تكون قد أعدّت مسبقاً استراتيجيات ودراسات في سبيل قيام نزاعات تدعم مصالحها. وكلما شعرت بالفشل، كان لزاماً عليها أن تنتقل إلى الخطة "ب" التي اشتهر أبناء العم سام بها. فإن فشل اتفاقيات السلام التي أرادها الأميركيون بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني، كلها عوامل سرّعت من دفع المنطقة نحو سعير الحروب. والحرب سجال.

شعرت "إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة بالخيبة بعد كل هذه الأحداث، وراحت تبحث عن ذريعة لتغيير مجريات انتصار الحلف المناهض لسياساتها. فانتصار العام 2000 في لبنان غيّر من مجريات السياسة الدولية تجاه المنطقة بأسرها. مما يعني ذلك أن حزب الله بات قوة إقليمية ومحلية لا يستهان بها، وذلك بالإضافة إلى كون حليفته الأبرز هي إيران. وتلك الأخيرة لا تنفك تطوّر قدراتها العسكرية والاقتصادية، في وقت بدأت "هيبة" الجيش الإسرائيلي، التي ثبتتها حروبه مع الجيوش العربية، بالتراجع. وكان ذلك النصر الشرارة التي ألهبت صدور الفلسطينيين فقاموا بانتفاضة عظيمة. ولكن، كما في كل مرة قمعت قوات الاحتلال الأمل الفلسطيني بسكوت أو تواطئ عربي فاضح.

من جهتها، لم يكن أمام الولايات المتحدة من ذريعة أفضل من تفجير البرجين لتحريك أساطيلها وفرق جيشها نحو أفغانستان ومن ثم العراق. فهي لم تعد القوة الأوحد عالمياً، خصوصاً مع صعود نجم روسيا، وذلك وسط تحالفها مع إيران التي بات لها ثقل إقليمي ودور كبير في رسم السياسات الدولية. ويبدو أنّ الحرب الكونية على الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة، لم تكن إلا لأهداف تتصل بتفعيل حضورها المباشر والكثيف في المنطقة. وهي ستتمكن بذلك من الإحاطة بروسيا وإيران عن قرب، أضف إلى سيطرتها على منابع النفط الاستراتيجية. وهي بدورها لن تتوانَ عن دعم حليفتها "إسرائيل"، حيث في سياق الحرب على "الإرهاب"، تم تصنيف كل من يحمل بندقية ضد المحتل إرهابياً. وبذلك تكون "إسرائيل" قد دخلت في الحلف العالمي، حيث سيبرر لها كل فعل إجرامي تقوم به ضد الفلسطينيين واللبنانيين والعرب.

إنّ الكيان الصهيوني محتلٌّ للأراضي ومغتصبٌ لها، وهو لا يحتاج الى ذريعةٍ لشنّ عدوان. ولكنه كي يحفظ ماء وجهه أمام الغرب، يفتعل الذرائع أو ينتهز الفرصة الأنسب للانقضاض. وهكذا اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان بحجة محاولة اغتيال سفيرها في لندن، كما إنها اتخذت من خطف الجنديين العام 2006 ذريعة لشن حرب مفتوحة على لبنان، وليس بعيداً عدوانها على غزة المستمر الذي كان نتيجة لعملية غامضة لم يتبناها أحد، خطف ثلاثة مستوطنين وقتلهم.
إن الخانعين من العرب واللبنانيين يعيبون على حزب الله "حركشته" بوكر الدبابير الإسرائيلي. وبالرغم من كل الدراسات والمنشورات التي تحدثت عن أن الحرب على لبنان كانت معدّة مسبقاً، يصرّ هؤلاء على تحميل المقاومة مسؤولية الحرب وحتى إنهم لا يعترفون لها بالنصر. كيف يفعلون وبعضهم كان شريكاً أو يتمنى أن تنتصر "إسرائيل"؟ّ!

بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط العام 2005، صدر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، دراسة تحدثت عن "منع إيران وحزب الله من ملء الفراغ في لبنان". خلصت هذه الدراسة إلى أنّ نشر الديموقراطية والحرية في لبنان يحتاج الى أكثر من الانسحاب السوري، وذلك بعد التظاهرات الضخمة التي نظمتها القوى المؤيدة لسوريا. وقالت إنه إذا سُمح لإيران وحزب الله بملء الفراغ سيظل لبنان موضع تدخل أجنبي، ما يعني زيادة احتمال تصعيد على الحدود اللبنانية-"الإسرائيلية". كما أفادت بأنه على المجتمع الدولي وضع حد لإيران ونزع سلاح حزب الله.

من ناحيتها، أشارت دراسات أخرى إلى أنّ حجم رد الفعل العسكري الإسرائيلي تجاه عملية الخطف، يُظهر أن "إسرائيل" وحلفاءها، كانوا قد أعدوا مسبقاً للحرب. ويبدو ذلك في الجسر الجوي الذي أمنته بريطانيا لدعم الجيش الإسرائيلي المحتل بالأسلحة القادمة من الولايات المتحدة. كما إنّ مجلة بريطانية كانت قد أكدت في الأسبوع الأخير للحرب، أنّ الحكومة البريطانية كانت على علمٍ مسبق بها.

من جهةٍ أخرى، كان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله قد أشار مراراً إلى عزم المقاومة على أسر جنود إسرائيليين، وذلك بهدف مبادلتهم بالأسرى اللبنانيين في سجون العدو. كما أن مثل هذه العمليات مشرعة في القوانين الدولية، حيث يتحدث ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الانسان وسواها من المواثيق الدولية عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال. ولكن الدولة العبرية التي لم تلتفت يوماً إلى أي قرار دولي، لك تكن لتهتم برأي المجتمع الدولي ولا حتى بضغوطه، لو لم تكن الولايات المتحدة على علم بخطواتها اللاحقة. ويبدو أن تجنبها لضرب منشآت إيران النووية خير دليل على ذلك. فلو لم يكن للأميركي مصلحة مباشرة بمحاورة طهران، لما كان ليردع "إسرائيل" عن القيام بمثل هذه الخطوة.

في سياقٍ متصل، كيف يمكن للمقاومة أن تعرض شعبها للخطر لو كان في حساباتها أن الحرب قد أعدت مسبقاً بهذه الوحشية. ولكن، تبيّن فيما بعد أن المقاومة قرّبت من أجل هذه الحرب من تشرين إلى تموز. و"إسرائيل" التي كانت تنوي الاحتفاظ بعنصر المفاجأة، فقدته بعد التذرع بعملية الأسر للاستعجال بشن عدوانها.

وخاضت المقاومة الحرب دون مواربة أو تخلّ عن مسؤولياتها في حماية شعبها، فكانت قد أعدت نفسها مسبقاً بالأسلحة النوعية والمفاجئة للعدو. كما أن قدرة الانضباط في صفوف عناصرها واستبسالهم، لم يقلّ قدراً عن أي سلاح فعّال في المعركة. فالمقاومة بقيت قادرة على الاحتفاظ بقدراتها الاتصالية والتواصلية خلال الحرب وفي نهايتها. فعجزت الحرب الإسرائيلية عن فصل المقاومين عن قياداتهم، كما إنّ أكثر ما أذهلهم كان درجة الانضباط والالتزام بتعليمات القيادة حتى وقف إطلاق النار في اللحظات الأخيرة.

في هذه الحرب، استطاعت المقاومة أن تنقل المعركة إلى داخل فلسطين المحتلة من حيفا وعكا وصفد. وأن تهجّر نحو مليون مستوطن إسرائيلي، في سابقة لم يشهد الصراع العربي الإسرائيلي مثيلاً لها، إلا حديثاً في حربه على غزة. والجيش الإسرائيلي الذي يعتمد على الضربات السريعة والموجعة، وجد نفسه في حرب استنزاف، خاصةً أنه عجز عن القيام باجتياح بري واسع وسط خسائر فادحة في مدرعاته ودباباته. وهو بالتالي لم يتمكن من لجم نيران المقاومة التي استمرت حتى آخر لحظة، ما دفعه لاحقاً لإنشاء "القبة الفولاذية" التي استهزأت بها صواريخ غزة مؤخراً.

فشلت هذه الحرب في إعادة الاعتبار لمكانة العدو الإسرائيلي، وأعادت خلط وفرز أوراق المنطقة. فالمحور التي عملت على ضربه بالتحالف مع الولايات المتحدة وبعض العرب، خرج بعد حرب تموز أقوى مما كان قلها. وترسخ بذلك معادلات جديدة قائمة على الخوف مستقبلاً من أية ردة فعل صادرة عن حزب الله. ولقد ظهرت مؤخراً تقارير إسرائيلية تقول إن أنفاق غزة وحربها مجرد لعبة أطفال، مقارنة  بما سيشهده الجيش الإسرائيلي في حال شن حرباً على لبنان.

الخطة "ب"
في تقرير نشر عام 2011، من إعداد الباحثين الأميركيين في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" آرام نيرغيزيان وأنطوني كوردسمان، تحت عنوان "التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران: الحرب الباردة بالوكالة في المشرق ومصر والأردن"، أشار مؤلفاه إلى أن حزب الله تحوّله إلى لاعب رائد في أمن المنطقة والسياسات المحلية بفضل الدعم الإيراني. ويؤكد التقرير أن الحزب يمثل "تهديداً متنامياً"، فهو يمتلك "الوسائل التنظيمية والتدريبية والصواريخ والقدرات العسكرية التي تمكنه من منافسة غالبية القوى العسكرية العربية". وهذا ما يجعل منه أيضاً "تهديداً منظماً ومقرِّراً" لا حيال "إسرائيل" فحسب، بل أيضاً حيال التطلعات الأميركية في المنطقة!. ويخلص التقرير إلى أن حرب تموز 2006، تؤكد أن "حزب الله لم يكن ليصبح قوة أساسية في لبنان، لولا تهريب سوريا وإيران الأسلحة له".

إذاً إنها البديلة. فالمقاومة منذ تحرير الجنوب وهي تنطلق من انتصار لآخر على العدو الصهيوني، ولم يكن ليحصل ذلك دون دعم من سوريا وإيران. فالأخيرة شهدت سابقاً تظاهرات إبان ولاية الرئيس أحمدي نجاد، سرعان ما حاولت الولايات المتحدة استغلالها، هذا إن لم تكن شريكة في قيامها أصلاً، ولكنها فشلت بطبيعة الحال. من جهة أخرى، لم تتوانَ الولايات المتحدة على عادتها من استغلال الظروف المناسبة للانقضاض على العالم العربي. وهي بالطبع لم تجد أنسب لها من "الربيع العربي" حتى تقلب الموازين لصالحها. ويبدو أنّ تقرير نيرغيزيان وكوردسمان الذي تحدث عن ضرب سوريا وإيران لأنهما القوتان الأبرز في دعم الحركات المقاومة، لم يكن محض صدفة أو كلاماً في الهواء. وما تشهده سوريا اليوم، ومعها مصر والعراق وسواها من الدول العربية، ليس بعيداً عن المخططات الأميركية والغربية لقيام الشرق الأوسط الجديد. أي ذلك الشرق القائم على دويلات مذهبية وعرقية متنازعة، ما يخلق حجة ليهودية "إسرائيل" ويخلصها من "أعدائها، فتبقى بعيدة عن كل شر.

ولكن كعادتها، لا تنفك المقاومة تثبت نفوقها في الميدان، محبطة بذلك مشاريع ضخمة أعدت للمنطقة، حتى إن لم تظهر آثارها على المدى القريب. ولعل تجربة الانتصار في غزة إبان العدوان الأخير، كان مشابهاً لنصر تموز الـ2006. فهل هذا يؤشّر إلى عظيم ما ينتظر "إسرائيل" إن فكرت بمهاجمة لبنان لاحقاً؟

المصدر: سلاب نيوز - عبد الغني قطايا


5amsat
على مدار الساعة
على مدار الساعة
5amsat
5amsat
mostaqel
5amsat
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني