جورج فرعون - سيأتي يومٌ ولن يكون بعيداُ تشكرون فيه حزب الله على مشاركته القتال في سوريا ودفعه بالإرهاب خارج الحدود..
لم يكن يدرك معظم اللبنانيين بأنّ هذا اليوم الذي وعد به السيد نصر الله سيكون بهذا القرب، وبأنّ قسماً كبيراً من المنتقدين لسياسة حزب الله الداخلية والخارجية لا بل ألدّ أعدائه من جمهور قوى 14 آذار سيؤيدون ولو ضمنياً مشاركة حزب الله القتال ضد الجماعات المسلحة المنتشرة على الحدود اللبنانية.
يعيش مسيحيو لبنان هاجس التهجير مرةً أخرى وتكرار التجربة العراقية والسورية، خاصةً أنّ قسمًا كبيرًا من مسيحي الموصل قد هاجروا الى الأراضي اللبنانية ووجدوا بالبيئة اللبنانية حاضناً وظهراً لهم.
يحمل مسيحيو لبنان ومنذ وجودهم راية الدفاع عن مسيحيي الشرق، فهم الوحيدون الذين خاضوا معارك الوجود والبقاء والقتال للرمق الأخير تحت شعار "ستظلّ أجراسنا تقرع"، وفي المقابل هم الوحيدون الذين يتولون في بلادهم مراكز القيادة، ويرفعون صليب الشرق فوق ظهورهم على درب الجلجلة. كل تلك الخصوصيات تضع مسيحيي لبنان على عكس باقي أشقائهم في الشرق أمام تحدٍ كبير، وأمام سؤالٍ أكبر "هل يقاتل المسيحيّون مجدّداً من أجل البقاء؟".
سؤالٌ قد تجاوزه العديد من مسيحيي الحدود اللبنانية- السورية مع استشعارهم خطر داعش الآتي من خلف الحدود. لم يدرك الشباب المتواجد على الحدود بأنّ البندقية ستعود الى أكتافهم مجدداً، وبأنّ عداءهم السابق لحزب الله سيتحول ولو بشكلٍ غير معلنٍ الى تأييد، لا بل الى قناعة بأنّ قرار حزب الله بالدخول الى الداخل السوري وقتال الجماعات المسلحة ليس سوى حرب استباقية قام بها للحد من التمدد الإرهابي التكفيري العابر للحدود.
عشرات من الشباب داخل القرى الحدودية في منطقة القاع ورأس بعلبك تحوّلوا الى حراس مدججين بسلاحهم خوفاً من أية حركةٍ مشبوهةٍ، بالتنسيق مع الجيش والقوى الأمنية، رافضين اعتبارهم بأنهم مسلحون بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهم حسب تعبيرهم يحملون السلاح كأيّ منزلٍ لبناني آخر.
يتشارك سكان تلك المناطق الخوف مع جيرانهم من القرى المجاورة مقتنعين بأن الارهاب لا يميز بين طائفةٍ وأخرى، فالجماعات المسلحة مستعدة لقتل كل من يخالفها الرأي، وداعش والنصرة خير دليلٍ على ذلك. تتشابه المشهدية في معظم المناطق اللبنانية وإن بوتيرةٍ أقل، فالتهجير والتنكيل اللذان حصلا في معلولا والموصل وغيرها من المناطق قد قلب الرأي العام اللبناني وإن بشكلٍ غير معلنٍ وكبير على تأيد قتال الحزب لتلك الجماعات.
في استطلاعٍ بسيطٍ للرأي العام في الشارع المسيحي، يرى مارون وهو أحد سكان منطقة عين الرمانة بأنّ القيادات المسيحية إما أنها لم تستدرك الخطر القادم أو أنها تعلم علم اليقين من هو الارهاب الداعشي، وتدرك بأن ليس باليد حيلة غير غضّ النظر عما يقوم به الحزب ومهاجمته في العلن وتأيده في الصالونات الخاصة، فالكتائب حسب تعبيره لا ترى بالحماية سوى الدولية، أما رأي القوات اللبنانية بحسب مارون فترى أنّ داعش هي خطر على جميع الطوائف مسلمين ومسيحيين وليس كما يصورها التيار الوطني الحر، بأنها خطر على الوجود المسيحي في الشرق، فبحسب تعبيره استطاع حزب الله بالتعاون مع التيار العوني والمردة إقناع قسمٍ كبيرٍ من المسيحين بضرورة القتال خارج الحدود، وما دعم هذا الرأي هي صور تكسير تماثيل السيدة العذراء في سورية والتهجير واحتلال الكنائس بينما قابلها تقديم دمٍ من قبل الحزب لاسترجاع الاماكن المقدسة، وخير دليلٍ على ذلك استشهاد الصحافي في قناة المنار حمزة الحج حسن ورفاقه في معلولا في تغطيتهم لتحريها من الجماعات التكفيرية، فتلك المشاهد كانت كفيلة بقلب قسمٍ كبير من الرأي العام المسيحي".
في المقابل يرى رأيٌ آخر بأنه يخطئ من يعتقد أنه يستطيع جَرّ المسيحيين الى الحرب، وبأنّ كلّ ما يتم الحديث عنه من تسلّحٍ وأمنٍ ذاتي وتخويف المسيحين من الخطر الداعشي هو مبررٌ لحمل الطرف الآخر السلاح، وبرأي هذه الفئة بأنه لمصلحة السلطة السورية ومن خلفها حمل المسيحيين السلاح في وجه داعش ليظهر للعالم بأنّ سورية ومن معها يقاتلون الارهاب ويدافعون عن الاقليات.
رغم الإختلاف في مقاربة الوضع المسيحي المستجد على الساحة العربيّة، فإنّ غالبية المسيحيين تدرك بوعيٍ كاملٍ أنّ وجودها مهدّدٌ بحركات التطرّف، وبأنها مستعدةٌ للقتال مجددًا من أجل الوجود، وبالتالي هي مقتنعةٌ بأنّ قتال حزب الله وقرار أمينه العام بالدخول الى الداخل السوري رغم اختلافهم معه في بداية دخوله قد جنّب جزءًا كبيرًا من اللبنانيين التهجير، معتبرين بأنّ بعض قياداتهم لا تستطيع القول بأنهم كانوا على خطأ وبأنّ رأي خصمهم الداخل كان على حق.