حلب ستالينغراد الحرب العالمية الثالثة!

22:152016/06/29
A
|
A
|

نشرت صحيفة "huffpost" الاميركية مقالا للبروفيسور "ألاستير غروك"، الخبير  في مجالات الحركات الإسلامية في العالم، معلومات عن مستقبل اتفاقية الهدنة في سوريا التي اعتبرها ذاهبة نحو السقوط، تماما كـ العلاقات الاميركية-الروسية التي توترت من جديد بسبب انعدام الثقة بين القطبين، مما يدفع الحرب السورية الى معارك اعنف من اي وقت مضى.


و قد استهل الكاتب شرحه اسباب سقوط اتفاقية الهدنة في الامد القريب، فاعتبر ان  الشك اصاب المعسكرين الروسي و الايراني نتيجة سياسة الخداع التي مارسها الاميركيون. ما اثار حفيظة الروس هو قيام الناتو بنشر درع صاروخية جديد في رومانيا وقبل ذلك في بولندا. أما الايرانيون فقد اثار حفيظتهم الاميركيون، الذين هددوا الشركات العالمية و خصوصا في اوروبا بفرضهم عقوبات عليها في حال تعاونت مع ايران.

في المقابل قلصت ايران نشاطها النووي، لكن اقتصادها لم ينتعش كما توقع الايرانيون رغم استعادتهم اموالهم المجمدة. أما دمشق، فقد شككت منذ البداية في مدى مصداقية الاميركيين، واعتبرت ان الاتفاقية هي خدعة اميركية من اجل اعطاء نفس جديد للجماعات المسلحة، خصوصا بعد خسارتها المبادرة على الارض وامساك سوريا وحلفائها بزمام الحرب.

عسكريا، كشف الكاتب ان خبراء عسكريون أميركيون، فرنسيون، ألمان، بلجيكيون، وأتراك دخلوا الى الشمال السوري لمساعدة الجماعات المسلحة في استعادة عافيتهم اثناء الهدنة.

الاهم من ذلك هو ذكر  "بات لانغ"، الضابط السابق والرفيع في المخابرات الاميركية "CIA"، الآتي:

"الروس ظنوا أنهم يستطيعون ابرام صفقة حسن نية مع الاميركيين، لكنهم كانوا مخطئين. الاميركيون، منذ الظهور الاول لجبهة النصرة و تنظيم القاعدة في سوريا، دعموهم بالسلاح والسياسة، واتفاقية الهدنة كانت فرصة للاميركيين لمساعدة تنظيم القاعدة في الشمال السوري على التقاط انفاسه من جديد. اكتشف ذلك الروس متأخرين لكنهم تعلموا درسا جديدا في هذا المجال."

و اضاف الضابط ان الاتراك و الاميركيون قاموا بنقل ما يقارب ستة آلاف مقاتل الى الارض التركية وتلقيهم التدريبات هناك، وذلك اثناء اتفاقية وقف اطلاق النار في الشمال السوري. الاسوأ من ذلك هو حصول جيش الفتح على ثلاثة اطنان من السلاح النوعي اثناء الهدنة.

باختصار، إتفاقية الهدنة فشلت والاميركيون لم يبذلوا اي جهد يذكر لفصل المعارضة المعتدلة عن تنظيم القاعدة، بل على العكس فهم ما زالوا يستغلون وجود جبهة النصرة كورقة سياسية تعطيهم مكانا قويا على طاولة المفاوضات من جهة، وتلحق اضرارا عسكرية اضافية في الجيش السوري و حزب الله من جهة اخرى. هم اشبه بالانسان الذي يدعو ربه ان يبعده عن الخطايا، لكن ليس الآن، فهو يريد ارتكاب بعضها الآن قبل العدول عنها في الوقت المناسب. هكذا هم الاميركيون، يريدون القضاء على الارهاب لكن ليس قبل ان يحصلوا على الافادة منه.

 من نتائج اتفاقية الهدنة هي الحاقها الضرر الكبير بحزب الله و الجيش السوري اللذين بدورهما ايضا سيدفعان اثمانا بشرية كبيرة في الايام القادمة، خصوصا في حلب التي استعاد فيها جيش الفتح قوته و توازنه على كافة جبهات القتال الدائر هناك.

اما ايران فهي تشعر بأريحية تجاه زيادة تواجدها العسكري في سوريا، وهذا ما ينبئ ان حلب امام معركة طاحنة قادمة.

الروس ايضا يستعدون لزيادة تواجدهم العسكري في سوريا ويتطلعون نحو استرجاع حلب لكن ليس الآن، بل بعد انتهاء القمة الاوروبية في اواخر الشهر الجاري.

و قد تساءل الكاتب عن حقيقة السياسة الاميركية في سوريا. فهل يعي الاميركيون ثمن دعم الارهاب من اجل توريط الروس اكثر في الصراع الدائر في سوريا، عبر دعمهم الجهاديين المستمر، مما يجعل الروس والايرانيين مضطرين لزيادة تواجدهم العسكري لحماية الدولة السورية؟

و هل حقا يريدون ايقاف الحرب في سوريا و لكنهم يجهلون ان السعودية وتركيا مستمرون في دعمهم للارهاب في سوريا؟

الجواب "كلا".

ما يحصل هو لعبة عسكرية تترجم حاليا في داخل الولايات المتحدة الاميركية كورقة سياسية لدى الديمقراطيين، حلفاء اوباما، من اجل اظهار مدى قوة معسكرهم وامساكهم بزمام المبادرة في جميع قضايا العالم وخصوصا الشرق الاوسط، وبالتالي حث الشعب الاميركي على دعمهم في الانتخابات. في المقابل لا يوجد خطة واضحة لدى الجمهوريين ومرشحهم للرئاسة "دولاند ترامب" مما يجعلهم في موقع الخاسر في الانتخابات.

لكن الكاتب شكك بجدوى هذه المناورة وما سيلحقها من تبعات كارثية في المجال العسكري وخصوصا في سوريا ورومانيا.  فـ الروس والايرانيون ذاهبون الى زيادة تواجدهم العسكري في سوريا وتكبيد الجماعات المسلحة خسائر كبيرة لكسر التوازن على الارض، مما سيجعل الرئيس الاميركي القادم محرجا ولا خيار لديه الا التصعيد في سوريا، وذلك لحفظ مكان استراتيجي للولايات المتحدة الاميركية في اية مفاوضات قادمة، مما يعني تورط الاميريكيين في حرب جديدة في سوريا. اما حصار الروس من خلال الصواريخ في رومانيا و استمرار الاجراءات التعسفية تجاه اي تعاون ايراني مع دول الغرب، فسيجعل الدولتان تكافحان بشتى الطرق من اجل حماية مصالحهم الاقتصادية والعسكرية في العالم. فبوتين يراقب ازمة رومانيا، وسيجعلها معيارا لحجم الرد الروسي الذي سيشمل سوريا والعراق، فاذا بقي الاميركيون على موقفهم في رومانيا، ستدخل روسيا الصراع في الشرق الاوسط بشراسة غير مسبوقة.

بالخلاصة، الاميركيون اصابوا في حساباتهم السياسية لكنهم اخطأوا في حساباتهم العسكرية، فقد اعطوا ذريعة جديدة لحلفاء سوريا في ضرب الارهاب تحت مظلة محاولتهم في الشهرين الماضيين الحفاظ على اتفاقية الهدنة التي خرقها الاميركيون. امكانية حصول هدنة جديدة شبه مستحيل، و أقطاب النزاع بدأوا ينظرون الى حلب بانها معركة الحسم، و بوابة الحل في سوريا الذي سيرضي المنتصر و يحاصر الخاسر و يجبره على التازلات. حلب سترسم مستقبل الشرق الاوسط و سوريا. حلب ستالينغراد الحرب العالمية الثالثة التي تخاض على المسرح.

ترجمة رمزي شمعون (جنوبنا)

على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني