الواقع المسيحي بعد عام ونيف على انتخاب ميشال عون..

11:402017/12/11
A
|
A
|

سياسي لبناني دافيد عيسى

انتخب النواب اللبنانيون منذ سنة ونيف وبعد عامين ونصف من الشغور الرئاسي، رئيس اكبر الاحزاب المسيحية العماد ميشال عون رئيسآ للجمهورية ليكون بذلك الرئيس 13 في لبنان، هذا الأنتخاب الذي يفترض به أن يكون مدخلاً الى عهد جديد ومرحلة جديدة تعلن نهاية حالة الأحباط التي لازمت المسيحيين منذ اتفاق الطائف.
صحيح أن تطوراً ايجابياً وملموساً طرأ على المناخ المسيحي العام سياسيآ فأنتعشت ألثقة منذ سنة ونيف على مستوى الدولة والمشاركة في السلطة والحكم، واصبحوا في وضع افضل سياسيآ مقارنة بما كان عليه الحال من قبل وصول العماد عون الى سدة الرئاسة، ولكن هذا التحسن لم يأخذ مداه وما زالت تعتريه شوائب ونواقص طالما أن الوضع ألمسيحي الداخلي والاحزاب المسيحية في حال شرخ وتتنازعه صراعات وخلافات وانقسامات، ولا يجتمع طرفان الا نكاية بالآخر.
فماذا يحدث، وأين يكمن سبب هذا الالتباس وهذه الإشكالية ؟!
– مما لا شك فيه ان المسيحيين لمسوا ولاحظوا الفارق والتغيير الحاصل على صعيد الحضور والدور في الحكم والدولة والتحسن الذي طرأ على التأثير المسيحي في إدارة دفة الحكم وفي المشاركة الفعلية في القرارات السياسية الأساسية، وهذا يعود فيه الفضل للجهود التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقوة الدفع التي أعطاها لإنجاز قانون الانتخابات، وقانون سلسلة الرتب والرواتب، والتعيينات العسكرية والأمنية والقضائية والدبلوماسية، بما أدى الى سد معظم الشواغر والثغرات في الإدارة وتعويض ما فات في سنوات الفراغ الرئاسي، وتحقق ايضآ ما كان يريده المسيحيون من حكومة متوازنة وقانون انتخابات عادل يعكس التمثيل الصحيح.
– ادارة ومعالجة ازمة استقالة سعد الحريري
كما نجح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ان يكون رئيساً ضامناً للوحدة الوطنية والأستقرار والسلم الأهلي في محطات كثيرة وكان آخرها خلال الأزمة التي بدأت بأستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وأنتهت بعودته عنها والتي تخللها الكثير من الملابسات والالتباسات.
ولا نبالغ هنا اذا قلنا انه للمرة الأولى منذ الطائف يحوز رئيس للجمهورية على مثل هذا الأجماع الوطني والأقرار العام بأدارته الحكيمة والمسؤولة لأزمة بالغة الدقة والتعقيد والحساسية ويحظى بمثل هذا التأييد الشعبي عند مختلف الطوائف، الرئيس ميشال عون كان صمام امان خلال هذه المحنة واستطاع مواجهة هذه الازمة بحكمة عالية، وعاونه في ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعطى رئيس الجمهورية تفويضاً لإدارة أزمة الإستقالة وثقة مطلقة في هذا المجال، وكذلك كان لوزير الخارجية جبران باسيل دورآ محوريآ في هذا الاتجاه وقام بأوسع عملية استنفار للدبلوماسية اللبنانية وجال في العواصم الأوروبية متنقلاً من دولة الى أخرى ومتحادثاً مع كبار مسؤولي هذه الدول.
يمكن ان تحب جبران باسيل اولا، لكن لا يمكن ان تتجاهل الدورالذي قام به والجهد الذي بذله والدينامية التي اظهرها في المحافل الدولية والتأثير الذي احدثه في الموقف الدولي حول لبنان وأزمته الأخيرة (استقالة سعد الحريري)، كذلك لا يمكننا الانكار انه وللمرة الاولى منذ سنوات بدأنا نشعران لدينا وزارة خارجية فاعلة تقوم بدورها على كل المستويات دبلوماسيآ وعلى صعيد الانتشار اللبناني ومن خلال المحافل الدولية، وهذا مدعاة للثناء والفخر.
… – الوضع المسيحي الداخلي
لكن كل هذه الصورة التفاؤلية على صعيد لبنان الدولة والحكم وتعاظم الدور والتأثير المسيحي في الدولة والسلطة ومؤسساتها لا تكفي لطمأنة المسيحيين وترسيخ الثقة في نفوسهم طالما ان هناك صورة مقابلة لا تبعث على الأرتياح وتتعلق بالوحدة المسيحية وبالوضع المسيحي الداخلي وبالعلاقة بين الاحزاب الموارنة الاربعة الذي ما زال على درجة من الأنقسام والتفكك، وبدل ان يسجل خطوات الى الأمام اذا به يسجل تراجعاً وعودة مؤسفة الى الوراء، بالرغم من ان الاحزاب الاربعة موارنة وابناء كنيسة واحدة وجلدة واحدة.
من حق المسيحيين ان يسألوا المعنيين عن واقع ومصير “اتفاق معراب” بين “التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية” … ولماذا لم يترجم في روحيته وبنوده تعاوناً وتنسيقاً داخل الحكومة وعلى صعيد المشاريع والتعيينات، فهذا الأتفاق طوى صفحة أليمة سوداء عند المسيحيين وأطلق مرحلة جديدة من الأتفاق الداخلي الذي هو في أساس قوة وصلابة الموقع المسيحي في الدولة، وهذا الأتفاق اعطي بعداً استراتيجياً وبنيت عليه امال ورهانات ولا يجوز بعد كل ذلك ان يحصل تراجع في العلاقة او اهتزاز في عامل الثقة المتبادلة او ان يشعر طرف من الطرفين انه لا يلقى الدعم الذي كان ينتظره فيما يشعر طرف آخر انه يتعرض لعملية عزل وحصار سياسي…
من حق المسيحيين ان يسألوا المعنيين عن واقع ومستقبل العلاقة بين “حزبي القوات والكتائب” لماذا تستمر حالة الجفاء والتباعد طالما انهما يلتقيان على أكثرية ساحقة من المواقف والمطالب الوطنية والقضايا الكبرى التي تظل – او هكذا يفترض بها ان تكون – اقوى واهم من كل التفاصيل والخلافات الضيقة.
ومن حقهم ايضاً ان يسألوا المعنيين لماذا تستمر العلاقة بين “التيار الوطني الحر وتيار المردة” عالقة ومتوقفة، فيما يجمع بين هذين التيارين ما هو اكثر بكثير مما يفرق، ومن غير المفهوم كيف ان التقاء حاصلاً في الخط الاستراتيجي لا يترجم مناخاً ايجابياً وعلاقة طيبة وتنسيقاً وتعاوناً على الساحة المسيحية.
هذا التناقض والتضارب عند المسيحيين بين واقع “رسمي” متماسك وفعال وبين واقع “داخلي” مبعثر مشتت ومنقسم على ذاته يقلق المسيحيين ويشغل بالهم ويجب ان ينتهي ويوضع له حد… وهذه الخلافات والانقسامات يجب ان تزول وتصبح من الماضي، فما يشهده الوضع المسيحي من انفصام في الشخصية ومن ازدواجية بين واقعين وحالتين داخل الدولة وخارجها، هو واقع شاذ لا يجب ان يستمر في عهد الرئيس ميشال عون الذي يشكل فرصة كبيرة لهم والذي يفترض تكاملاً في الأداء داخل الدولة وخارجها…
ومن له عينان رائيتان فلينظر، ومن له اذنان سامعتان فليسمع.


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني