شكراً روجيه نسناس ومبروك شارل عربيد

10:252017/12/12
A
|
A
|

 

دافيد عيسى

في الحياة، في الدولة، في المؤسسات، هناك أناس ورجال يتركون بصمات وأثراً ويُحدثون فارقاً ويشكلون «قيمة مضافة».
روجيه نسناس واحد من هؤلاء، عرفت هذا الرجل عن قرب صديقاً عزيزآ ممتلئاً بالمزايا والصفات الحميدة والنبيلة، وواكبت مسيرته في رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي على امتداد اربعة عشرة عاماً، واكتشفت فيه الشخص الناجح الصامد الصابر الذي لم تحبطه صراعات وتجاذبات سياسية ولم تحدّ من عزيمته تدخلات ومضايقات وإنما ظلّ دوماً مؤمناً بالقضية الإقتصادية والاجتماعية التي نذر نفسه لها ومؤتمناً على المجلس الإقتصادي الاجتماعي في ظل ظروف صعبة وغير مساعدة.
يسجّل لـ «روجيه نسناس» أنه نجح في حفظ المجلس الإقتصادي الاجتماعي وفي إبقائه على قيد الحياة رغم ما صادفه من عثرات و«محاربة» والعراقيل التي وُضعت في طريقه، والعصي التي وُضعت في دواليبه.
تجاوز نسناس كل الخلافات والانقسامات التي عاشتها البلاد بالصبر والدبلوماسية التي يتمتع بهما وكان همه الوحيد المحافظة على المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي اعتبره «ابنه المدلل».
عندما أفرغ هذا المجلس من دوره ومضمونه وأمعن في ضرب صلاحياته التي هي في الأصل استشارية لا تقريرية، استطاع نسناس من استيعاب ضغوط السياسيين والحدّ من التأثير السلبي لخلافاتهم على المجلس، متجاهلاً واقع اللامبالاة والنزعة الى التقليل من شأن المجلس والإستخفاف بدوره.
وبالرغم من تعليق اعمال المجلس ومهامه وإبقائه في حال فراغ وشغور مع عدم تعيين أعضائه وعدم الإكتراث لمصيره وقطع الاموال عنه، بقي نسناس متمسكاً بالمجلس الذي اؤتُمن عليه وأنتُخب رئيساً له عام 2000، ايماناً منه بدور المجلس الإقتصادي الاجتماعي وضرورة إبقائه كملتقى للحوار والتفاعل والتنسيق بين مختلف القطاعات، فأعطاه من وقته وجهده وماله في ظل عدم وجود أي إهتمام رسمي.
ولم يكتفِ نسناس بإبقاء المجلس «حيّاً يُرزق» وإنما عمل بجهود مضنية ومخلصة في إعلاء شأنه وصوته، واضعاً إياه على الخارطة العالمية ومساهماً عبره في إعادة حضور لبنان الى المحافل العربية والدولية وجعله مواكباً لمؤتمرات واجتماعات المجالس الاقتصادية العالمية والفرنكوفونية والمتوسطية والعربية وغيرها.
ومثلما نجح في نسج شبكة علاقات دولية وعربية واسعة، نجح نسناس ايضآ في إقامة علاقات داخلية متشعبة ومتوازنة فكان على علاقة جيّدة مع الجميع ووقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا ما أتاح له أبعاد عمله ودوره عن كل المؤثرات والتدخلات السياسية، وإدارة المجلس بشكل متوازن رغم انعدام الإمكانات.
ولعل الإنجاز الأخير الذي أبصر النور العام الماضي تمثّل في إصدار كتاب «نهوض لبنان نحو دولة الإنماء» وهو الدليل الأقوى الى الحسّ الوطني والمسؤول الذي يتحلى بهما روجيه نسناس وتمتّعه بروح «المسؤولية القيادية الجماعية» والفريق الواحد المتكامل والمتعاون.
فهذا الكتاب ساهمت في وضعه مجموعة من نخبة الخبراء والباحثين في شؤون الإقتصاد والمال والمجتمع وتضمّن مجموعة من التقييمات الخاصة بالإقتصاد اللبناني مع سلّة من الإقتراحات والسياسات والإجراءات وهدف الى الإنتقال من عرض المشاكل الى تقديم الحلول لها من خلال نظرة اقتصادية اجتماعية أكثر شمولية ومن منطلق الايمان بالشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص وبين الدولة والمجتمع المدني.
وسيبقى كتاب «النهوض» هذا مرتكزاً ومرجعاً للحكومات والمهتمين بالشأن الإقتصادي الاجتماعي وأهم ما فيه هذا الفهم العميق لمسألة الترابط الوثيق بين الإقتصاد والمجتمع ومن منطلق أن يكون الإقتصاد والإنماء في خدمة المسألة الاجتماعية وتأمين رفاهية وحقوق ومصالح الإنسان والمجتمع…
وإننا على ثقة ان الصديق شارل عربيد والذي انتخب امس على رأس المجلس الإقتصادي الاجتماعي سيُكمل ما بدأه نسناس وسيتّخذ من أفكاره وخططه التي أوجزها في كتابه مرتكزاً ومنطلقاً ومادة ملهمة..
وإذا كان روجيه نسناس نجح في إبقاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي على قيد الحياة فإنه نجح ايضاً في حفظ هذا الموقع المتقدّم في تراتبية المواقع والمجالس والمؤسسات الدستورية، لطائفة الروم الكاثوليك التي تدين لـ «روجيه نسناس» بهذا المكسب وباستمرار هذا الموقع من حصّتها وحقّها في ظل نظام طائفي أخذ من الطائفة اكثر مما أعطاها ولم يكن منصفاً وعادلاً في توزيع المراكز والمواقع…
أردنا عبر هذه الكلمة المقتضبة والمعبّرة ان نوجّه تحية وفاء وتقديرللصديق روجيه نسناس الذي أعطى من كل قلبه وعقله ومن دون منّة لوطنه، والذي عندما حانت لحظة مغادرته رئاسة المجلس الإقتصادي والاجتماعي يغادر كبيراً هادئاً مرفوع الرأس فخوراً بما أنجزه.
ويبقى في الختام ان روجيه نسناس مرتاح الى أن ما أسسه وسهر عليه باق ومستمر لأن خلفه الصديق العزيز شارل عربيد هو من المدرسة نفسها ومن الطينة ذاتها وهو صديقه القديم وسيبقى صديقه الدائم وهم عملوا معاً على كثير من الملفات الأقتصادية الاجتماعية … وباستطاعتنا ان نجزم بان شارل عربيد سيكون خير خلف لخير سلف.
في الختام نقول شكرآ روجيه نسناس ومبروك شارل عربيد.


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني