دافيد عيسى
تكثر هذه الأيام، الشكوى والتذّمر من الأوضاع العامة والاقتصادية والمسار الذي تسلكه هبوطاً وعلى كل المستويات، فما اجتمع اثنان إلا وكان التذمر سيد الموقف ومحور الحديث الذي يبدأ من الوضع الاقتصادي المتراجع وما يحيط به من ضغوط وملامح إنهيار، ولا ينتهي عند محطة الانتخابات النيابية وما يمكن أن تسفر عنه من تغيير يأمل ان يكون في مستوى الآمال والتطلعات.
اللبنانيون على حق في ما يشكون منه، وما هم عليه من حالة إعتراضية ومشككة بعدما تأكد لهم أن عملية بناء الدولة العصرية العادلة هي عملية صعبة ومعقدة، لا بل إن عملية إعادة بناء الثقة بين الدولة والشعب، بين الحكام والناس ما زالت متعثرة، طالما أن الفساد مستشرٍ، وهدر المال العام متواصل والخدمات الأساسية المتصلة برفاهية المواطنين وكرامتهم الإنسانية غير مؤمنة، والبنى التحتية أصابها الترهّل وتحتاج إلى تأهيل…
ولكن على الرغم من فداحة الوضع والصورة القاتمة، من غير المقبول أن تتطور حالة الشكوى والتذمّر إلى شعور بالعجز واليأس وأن يحدث استسلام للواقع المفروض والمرفوض، وإنما يجب النظر إلى النصف الآخر الملآن من الكوب وبعين التفاؤل والأمل، ومعرفة أن وراء الغيوم الملبدة سماء صافية وشمس ساطعة، وإن إخفاقات بعض المسؤولين تقابلها نجاحات وإنجازات لقطاعات ومؤسسات إمتلكت روح المبادرة والتصميم وهي التي تعدّ في أساس الاستقرار والصمود والمناعة المكتسبة.
واحدة من هذه المؤسسات اللبنانية التي أثبتت وجودها وحققت نجاحاً وتخطّت كل الصعوبات ومحاولات التشويش والعرقلة هي شركة طيران الشرق الأوسط “الميدل إيست” التي عاكست في تقدمها ونجاحها التوقعات والأجواء السائدة وحجزت موقعاً متقدماً ومتصدراً على لائحة النجاح والتفوق.
“الميدل إيست” هذه الشركة المستمرة في مسيرة تصاعدية لا توقفها ظروف وتعقيدات وتجاذبات سياسية وطائفية ومناطقية بعدما أثبتت أنها مؤسسة وطنية عابرة للطوائف وخارج كل أنواع الصراعات، حتى تحوّلت رمزاً للنجاح وانتقلت من ضفة الخسارة والإستنزاف والافلاس إلى ضفة الربح والرسملة.
“الميدل إيست” لم تتوقف عند ضغوط ومخاوف وأزمات واستمرت في استراتيجية تحسين وتوسيع للخدمات والمرافق والتجهيزات ذات العلاقة بقطاع الطيران، ولم تتوقف عن ذلك حتى في هذه المرحلة التي تمارس فيها مؤسسات ومواقع كثيرة سياسة انتظار وتريث وحذر واستنكاف عن المبادرة.
في وقت يعيش لبنان مرحلة انتخابات وتجاذبات وصراعات ومماحكات عملت ال “الميدل ايست” على إطلاق مركز تدريب للخبرات والتقنيات في عالم الطيران ليصبح لبنان مركزاً إقليمياً رائداً في هذا المجال برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري واطلق عليها اسم قاعة رياض سلامة، كما عملت على تطوير قاعة رجال الأعمال ومسافري الدرجة الأولى، وأكدت أنها معنية بمشروع توسعة مطار رفيق الحريري الدّولي لتكبير طاقته الإستيعابية وأنها جزء من هذا المشروع وتسعى لأن يكون لديها مبنى خاص ووضع مميز، هذا إضافة إلى التزامها خطة تعزيز الأسطول الجوي ومدّ الشركة بأحدث الطائرات وأكثرها تطوراً ورفاهية.
هذا النجاح يقف وراءه بشكل مباشر شخص ذكي وجريء عرف كيف يوازن بين الواقعية والمغامرة، فلم ينزلق إلى حسابات ضيّقة ولم يلتفت إلى تدخلات وضغوط سياسية وإنما نأى بالشركة عن كل البيئة السياسية غير السليمة وغير الصحية وأبحر بها في وسط بحر هائج حتى أوصلها إلى شاطئ الأمان.
هذا الشخص هو رئيس مجلس إدارتها ومديرها العام محمد الحوت الذي وعد والتزم بأن يضع هذه الشركة في مصاف الشركات الكبرى الناجحة التي تدرّ إرباحاً ولا ترزح تحت ديون وأثقال، وقد كان وفياً لوعوده والتزاماته وعلى مستوى الآمال التي علّقت عليه حتى غدت “الميدل إيست” نموذجاً ومثالاً للنجاح الذي يمكن أن تحققه الإرادة الصلبة والإدارة النظيفة والهادفة.
وكلمة حق تقال هنا، إن النجاح الذي حققته الميدل إيست يقف وراءه أيضاً عقل استراتيجي ووطني وشجاع كما قال سعد الحريري هو عقل رياض سلامة حاكم مصرف لبنان و”صمام الامان” النقدي في لبنان، والذي كان له الدور الاساسي والفضل الكبير في إنقاذ “الميدل إيست” وانتشالها من القعر والافلاس الذي وصلت إليه عندما كانت من ضحايا الحرب والتسلط الميليشياوي.
نجح سلامة أولاً في اختيار الرجل المناسب ووضعه في المكان المناسب وكان على حق وصواب في اختياره لـ “محمد الحوت” وفي رهانه على هذا الرجل لتنفيذ المهمة الصعبة… وكان راعياً وداعمآ لـ “الميدل إيست” ومواكباً عن كثب لمسيرة تطوّرها ونجاحها.
“الميدل إيست” هي واحدة من علامات مضيئة في الفضاء اللبناني الرحب والمفتوح على آفاق مستقبلية واعدة طالما أن الإنسان اللبناني متميّز بطاقاته الإبداعية التي تتفجر في الخارج وفي كل مكان وبلد تتاح الإمكانات والعوامل المساعدة، وطالما أن هناك مسؤولين خارج السياسة وحساباتها، متميّزون في قدراتهم وتفانيهم وإخلاصهم.
ما تحقق في “الميدل إيست” سببه عقل واستراتيجية ودعم ومساندة رياض سلامة وتصميم ورؤية محمد الحوت، وهذا يمكن أن يتحقق في أي مؤسسة لبنانية أخرى إذا توافرت نظافة الكف والضمير والارادة والمقومات الموجودة في شركة طيران الشرق الأوسط.
وما ينشده اللبنانيون من دولة قوية وعادلة يمكن أن يروه على أرض الواقع إذا أحسنوا أولاً ونحن على ابواب انتخابات نيابية في اختيار ممثليهم ونوابهم، وإذا عقدوا العزم على إعلان حرب لا هوادة فيها ضد الفساد والمفسدين، واذا صمم المسؤولون على المضي قدماً في إصلاحات جذرية على المستويين الإداري والمالي بدءاً من تعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على نحو ما هو قائم في “الميدل إيست”، التي تجسد نموذجاً ناجحاً لهذه الشراكة، وصولاً إلى إقفال كل مسارب الهدر والسرقة والفساد…
في الختام نقول لا يمكن الإستمرار بالوضع القائم في لبنان كما هو والواصل إلى إنهيار حتمي لا سمح الله اذا استمرينا على هذا النهج والسلوك وقلة الضمير، ولا يمكن للقيمين على البلاد والعباد الاستمرار في التغاضي عن نصائح وشروط دولية وحيث لا مساعدات مجانية أو عبثية وإنما مساعدات مرهونة بإصلاحات جديّة وعملية على كل المستويات.