عيسى بو عيسى - العام 1990 انقضّت الطائرات السورية الحربية على القصر الجمهوري في بعبدا بتغطية اقليمية ودولية وبدأ المسيحيون بعدها رحلة العذاب الطويل، وبعد سنوات قليلة تقول مصادر مسيحية نيابية بدأت عملية تصفية «القوات اللبنانية» عديدا وعتادا بالرغم من أن القيادة القواتية انذاك لم تكن بعيدة عن «مسايرة» اتفاق الطائف فتم نزع سلاحها وملاحقة شبابها مع انصار العماد ميشال عون، وفرغت الساحة المسيحية من امكانية الدفاع الذاتي - المنزلي عن النفس فيما بقي السلاح في ايدي الاحزاب الاخرى، علمت اميركا بالامر عملانيا وشجعت وغضت النظر عما يحصل من تعرية المسيحيين حتى من السلاح الفردي مع تهميش واضح في العمل السياسي والدخول الى ادارات الدولة، وتقول المصادر ان الاحزاب المسيحية اقتنعت بعدم جدوى السلاح وما زال هذا الاقتناع قائما حتى الساعة ولكن يبدو ان الواقع العملاني يعيد نفسه وفق وقائع مخيفة من التمدد الاصولي التكفيري وسبل مجابهته بعد الفظاعات التي ارتكبها في سوريا والعراق وباتت «داعش» واخواتها على الابواب والمسيحيون يتكلون على الدولة ومؤسساتها الامنية لا سيما الجيش اللبناني.
ولكن ستشرح هذه المصادر ان الجيش له مهمات محددة على الحدود ومجابهة الاخطار الخارجية فيما من واجب قوى الامن الداخلي القيام بهذه المهمات. لكن مع تحول الجيش الى مهمات في الداخل وانهاكه في الشوارع والاحياء درءا للفتنة بات لا يستطيع تغطية جميع القرى والبلدات التي يمكن ان تعاني من الارهاب بفعل اهمال السلطات السياسية على مدى عشرات السنين في تجهيز الجيش بالمعدات والاسلحة اللازم ناهيك باهتمام الجيش بفتح الطرقات والحوادث الامني والعمليات الاجرامية وما ينقصه تنظيم السير!!!
ووفق هذا الواقع ومع تطور الاحداث الخطرة في جميع انحاء البلاد برزت لدى المجتمع المسيحي بحسب المصادر مخاوف جدية من اقتلاع المسيحيين من ارضهم الاصلية ومحاولة ترحيلهم بواسطة اعمال الرعب التي تمارسها الجماعات التكفيرية وبات لزاما الخيار بين الصمود او الرحيل، ومع تردي الوضع الاخلاقي في الغرب وابتعاده عن القيم الانسانية والدينية وعدم التفريق بين الله والمال فاختاروا الانسب لمصالحهم دون التطلع الى ما يدعونه حقوق الانسان، شاهد المسيحيون بأم العين وزير خارجية فرنسا يدعو المسيحيين للمجئ الى فرنسا على خلفية وجود قرى ومزارع غير مأهولة ويلزمها مزارعون وعمال!!
هذه النظرة الغربية الدونية الى المسيحيين بحسب المصادر احيت لديهم روح البقاء والمقاومة حتى الموت وبات الافضل لديهم الاستشهاد في بلادهم ولا مذلة ريف فرنسا وعمدوا الى تسليح انفسهم من جيوبهم الخاصة وسط مشاهد التهجير والسبي والاغتصاب وباتت كل القرى والبلدات، ليس في البقاع الشمالي او زحلة او جبل لبنان فحسب انما في كل قرية مسيحية، لديها نزعة نحو التسلح الذاتي وليس الامن الذاتي وذلك لمساعدة الجيش اللبناني - فالمسيحيون تقول هذه المصادر ليسوا اكرادا كي تهرع دول العالم الى تسليحهم مجانا، ومن هنا ازدهرت تجارة السلاح الحربي من انواع مختلفة.
ويروي احد باعة سلاح الصيد الحديثة ان مبيعاته ارتفعت 300 بالمائة في الاونة الاخيرة ولكن تبقى الافضلية للسلاح الحربي الفعال غير المتواجد في هذه المتاجرة.
ولا تخفي هذه المصادر ان الاحزاب المسيحية ان لم تشجع فانها تغض النظر وتشجع على اقتناء السلاح للدفاع عن النفس، ومع هذا الاقبال ارتفعت اسعار الاسلحة بصورة جنونية وبات سعر الكلاشينكوف الصيني الصنع 1300 دولار فيما الروسي منه تعدى سعره الالفي دولار وكل طلقة تجاوز سعرها الدولار الواحد.
ويروي هذا التاجر: كنا في السابق نشتري من السوق السوداء وبقي التهريب في الحد الادنى منه حتى ان بندقية من نوع «Pump action» التركية بات سعرها ما فوق الاربعمائة دولار وهي صالحة للصيد ولكن سوء حال الناس النقدية دفعهم الى شراء بندقيتين من هذا النوع، ولا يقتصر حمل السلاح على الرجال، انما عمدت النساء والشابات الى اقتناء المسدس الكهربائي او مسدس تضعه في حقيبتها ويتراوح سعر مسدس 7 ملم ما بين 300 الى 500 دولار اميركي. اما الاسلحة الحربية التي كان يشتريها مواطنون من طرابلس منذ اربع سنوات فكان مصدرها تقريبا من تجار سلاح مسيحيين والان بات الامر معكوسا. بحيث بات على الطرابلسيين بيع السلاح المتوافر لديهم بكثرة الى المناطق المسيحية.
وتشير هذه المصادر الى ان سكان من وسط جبل لبنان لا يتركون بندقيتهم حتى وهم نيام بفعل القلق وهاجس الخوف الذي يتربص بعائلاتهم واطفالهم على خلفية وجود النازحين السوريين داخل كل قرية ومن بينهم خلايا «داعشية» نائمة لا يمكن التكهن بما ستقوم به في لحظة تلقيها الاوامر بالرغم من المداهمات المستمرة لمخابرات الجيش لمعظم هذه الامكنة وبصورة دورية، ويبدو ان القوى الامنية تغض النظر عن امتلاك السلاح الفردي لمعرفتها سلفا ان قدرته ووجهة استعماله معروفتان.
وتؤكد هذه المصادر ان الاحزاب المسيحية لم يلحظ منها اقله علانية توزيعها للسلاح ولكنها تشجع على هذا الامر للدفاع عن النفس، ولكن هذه المصادر تلاحظ ارتياحا غير مرصود ومعروف لدى المجتمع المسيحي عموما ان مسألة جلب السلاح ليست عائقا وان البعض والكثير منه موجود في امكنة محددة وهذا ما يريح المسيحيين من خلال وجود عيون ساهرة عليهم ترافق الجيش اللبناني في خطواته ولكن دون تنسيق يذكر.
ازاء ما تقدم يعود ملحم بالذاكرة الى بداية الحرب في لبنان واستهداف المسيحيين لترحيلهم كما عرض عليهم الاميركيون ليقول: نحن لسنا خائفين في ظل وجود عاملين اساسيين:
اولا: وجود قديسين نعتمد عليهم لحمايتنا في هذا الشرق وان امر الترحيل ليس جديدا انما هو من ايام المماليك ولكن بعدها ازدهرت المسيحية وعمت مختلف انحاء المعمورة ونحن نؤمن اننا باقون وهذا امر لا مجال للمناقشة فيه.
ثانيا: ان من يظن ان المسيحيين خائفون من «داعش» او غيرها امر مرفوض بل على العكس فالمعنويات عالية ومن يعتدي علينا سوف نقطع يده كما فعلنا ابان الحرب وهذا امر مشروع. فهو دفاع عن النفس ولا نريد ان يذبحنا العالم مرتين واذا تخلى الكون عنا فاننا بالحكمة والرؤية السياسية البعيدة والارادة القوية سوف نبقى هنا نحرس قبور شهدائنا واحياء منازلنا، وعن السلاح يقول: اهون شي مجيء السلاح.