السعودية والامارات والعودة القريبة الى لبنان

11:532018/05/02
A
|
A
|

دافيد عيسى

سياسي لبناني

 

العلاقات بين لبنان ودول الخليج عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً عادت الى وضعها الطبيعي، والمياه عادت الى مجاريها، هذا ما شعرت به ولمسته خلال جولتي الخليجية الاخيرة ولقائي عدداً من المسؤولين وابناء الجالية اللبنانية في بعض هذه البلدان.

من الطبيعي ان يحصل ذلك بين لبنان ودول الخليج، خصوصآ ان هناك علاقات تاريخية متجذرة ومتوارثة بين لبنان وهذه الدول، وهناك حوالي  خمسمئة ألف لبناني يعملون ويعيشون في هذه البلدان.

إذاً الازمات وسوء العلاقات بين هذه الدول هي الإستثناء، واما العلاقات الجيدة المبنية على الانتماء العربي الواحد وعلى الالتزام بالقضايا والمصالح المشتركة هي القاعدة.

فما حدث قبل اشهر من ارتجاجات واهتزازات في العلاقة “اللبنانية – السعودية” انتهى وتمت تصفية ذيوله ورواسبه، وفتحت صفحة جديدة على أساس الاحترام والثقة المتبادلين  وقد أنجزت عملية إعادة بناء الثقة في فترة زمنية قصيرة استناداً الى رغبة اكيدة لدى قيادتي البلدين واستناداً ايضآ الى قناعة راسخة وادراك عميق لأهمية هذه العلاقات واستمرارها بقوة وبمناخها المعهود.

فالمسؤولون في لبنان واعون تماماً لدور لبنان في المنطقة ولعلاقاته العربية وأين تكمن مصالحه ورسالته في آن، وقادة دول الخليج مدركون لأهمية دور لبنان ولخصوصياته وتوازناته ومتفهمون لظروفه وقدراته ونسيجه الاجتماعي.

واذا كانت رغبة وقناعة القادة والمسؤولين في لبنان وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، وكذلك رغبة قادة دول الخليج هي في أساس عملية التصويب والتصحيح في مسار العلاقات، فإن جهود ممثلي هذه الدول  “والعاملين على الأرض” وعلى رأسهم سفير دولة الامارات العربية المتحدة في بيروت الدكتور حمد الشامسي والقائم باعمال السفارة السعودية في بيروت الوزير المفوض وليد بن عبدالله البخاري، وعن الجانب اللبناني الوزير السابق الياس بو صعب مستشار رئيس الجمهورية لشؤون التعاون الدولي ساهمت في انجاز هذه العملية وشكلت قوة دفع إيجابية على طريق العودة الى الوضع الطبيعي للتطوير لاحقاً في اتجاه علاقات ومستقبل افضل.

وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد من التنويه بدولة الامارات العربية المتحدة التي كان لها الدور والفضل الأساسي في منع حدوث شرخ بين لبنان والسعودية وفي تحقيق انفراجات واسعة وتنقية الأجواء ونقل العلاقات الى ضفة الأمان والاستقرار.

وفي هذا الاطار تندرج جهود السفير الإماراتي الدكتور حمد الشامسي والقائم باعمال السفارة السعودية في بيروت الوزير المفوض وليد بن عبدالله البخاري المحبين للبنان “والرفيقين المتلازمين اللذين لا يفترقان” واللذين عملا سوياً وبكل زخم وجدية من اجل اخراج العلاقات “اللبنانية – الخليجية” من “عنق الزجاجة” ومن “المأزق” ونجحا في فتحها على آفاق مستقبلية واعدة.

بالفعل وفي هذا الإطارتحديداً بدأ اللبنانيون يلمسون التغير الإيجابي والمتسارع والتبدل الملحوظ في مناخ ومنحى العلاقات، وهذا ما ولّد لديهم شعوراً من الارتياح والطمأنينة واطفأ كل الهواجس والمخاوف ومشاعر القلق والتوتر التي لازمتهم قبل اشهر.

هذا الشعور أيضاً تساوى فيه المقيمون في لبنان مع اللبنانيين الموجودين والعاملين في دول الخليج والذين تربطهم بها وشائج وروابط خاصة وليس فقط علاقة عمل ومصالح، ومثلما كان لهم الدور والاسهام في تطور الخليج ونموه، كان لدول الخليج الدور الأساسي في مساعدة لبنان على تجاوز ازماته وفي توفير الملاذ وفرص العمل لمئات الآلاف من أبنائه.

حدثان صغيران ولكنهما في الواقع معبّران في المغزى والدلالات يؤشران إلى عودة الخليجيين إلى لبنان، فقبل اسابيع تابع اللبنانيون بإهتمام وشغف حدثين لهما صلة بهذا التطور الإيجابي في العلاقات:

  • الحدث الأول تمثل في قدوم اكبر طائرة مدنية إماراتية الى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وعلى متنها السفير الإماراتي الدكتور حمد الشامسي ونائب رئيس “طيران الامارات” وعدد من كبار موظفي الشركة اضافة الى الوزير السابق الياس بو صعب وعدد من رجال الاعمال اللبنانيين والاماراتيين البارزين مع ما يعنيه ذلك من ثقة بلبنان وبالمطار وامنه، واهليته التقنية وقدرته على استقبال هذا النوع من الطائرات، وما يعنيه ايضاً من تطلع اماراتي الى استخدام مطار بيروت على نطاق أوسع في المستقبل القريب.
  • اما الحدث الثاني فتمثل في افتتاح جادة الملك سلمان في اهم وارقى شارع في بيروت ويقع عند واجهتها البحرية ومشاركة عدد كبير من الشخصات اللبنانية من مختلف التوجهات السياسية، مع ما يعنيه ذلك من خطوة تقدير للسعودية وتعكس تعلّق لبنان والتزامه بعلاقات خاصة ومميزة مع السعودية والخليج بعيداً عن كل صراعات المنطقة.
    هذه التطورات المعبّرة على الأرض تترافق مع مؤشرات ومواقف صادرة عن السعودية والامارات تصب في هذا الاتجاه وتغذّي مناخ التفاؤل وابرزها:
  • التأكيدات الصادرة بشأن رفع حظر سفر الرعايا الخليجيين الى لبنان وبالتالي تأكيد الثقة بلبنان ووضعه الأمني وايضاً بوضعه السياسي في ضوء التزام لبنان رئيسآ وحكومة بسياسة النأي بالنفس.
  • المشاركة السعودية الإماراتية المشتركة الفاعلة والمؤثرة في كل المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان بدءاً من مؤتمر روما الذي خصص لدعم الجيش والقوى الأمنية، مروراً بمؤتمر “سيدر” في باريس الذي خصص للتنمية وتطوير البنى التحتية والبيئية الاستثمارية، وصولاً الى مؤتمر بروكسيل الذي خصص لفتح ملف اللاجئين السوريين وتحديد طرق مساعدة لبنان على التخفيف من أعباء واثقال هذا الملف الخطير والحساس.
  • ارتفاع وتيرة التعاون والتنسيق بين رجال المال والاعمال اللبنانيين والخليجيين وعودة المؤتمرات الاقتصادية والمالية والاستثمارية المشتركة الى بيروت في ظل اهتمام خليجي واضح بالاستثمار مجدداً في لبنان وتحيّن الظروف الملائمة والتوقيت المناسب.

ومن هنا كانت المشاركة اللبنانية الرفيعة المستوى برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومشاركة رئيس الحكومة سعد الحريري في القمة العربية التي عقدت في المملكة السعودية والتي تعكس حرصاً لبنانياً شديداً على دور السعودية والعلاقة معها والتزاماً بأمن ومصالح دول الخليج وبقضايا المنطقة ومستقبلها…

هذه الحركة الإيجابية الخليجية في اتجاه لبنان تقابل بالارتياح والتقدير على المستويين الرسمي والشعبي وتنبىء بعودة قريبة وأكيدة للمواطنين السعوديين والاماراتيين والكويتيين وغيرهم الى وطنهم الثاني لبنان في اسرع وقت ممكن.

 


على مدار الساعة
على مدار الساعة
اشترك بالنشرة الاخبارية للموقع عبر البريد الالكتروني