فؤاد مخزومي
أنا مسرور جداً لكوني جزءاً من هذا المشروع الفريد المستوحى من تاريخنا وإرثنا وثقافتنا والصورة التي نريد أن نقدمها للعالم لا سيما في أوقات الاضطرابات والحالات المشهودة في محيطنا من عدم الاستقرار والتطرف والتعصب والفتن المذهبية. إنه المشروع الذي يفتح كوة نور في جدار العتمة.
فـ”حوار الأبجدية” هذا الحدث العالمي الذي يدعمه منتدى الحوار الوطني بالتعاون مع الأونيسكو ومعهد العالم العربي ومؤسسة جورج أبو جودة وبدعم من مجموعة إيرغا لإيلي جبرايل، وبدعم دولي من مجموعة راي، أي أم إي (IMA)، والكثير من المؤسسات المعروفة غيرها. هذا المشروع انطلق من كون الأبجدية الفينيقية التي هي النموذج الأول للأبجدية في العالم، أهم مساهمة قدّمها لبنان للعالم أجمع. وقد اعتُمدت من جميع الأمم في جميع مجالات العلوم الإنسانية بما فيها الدينية الثقافية والعلمية. وكما قال أحد المفكرين اللبنانيين: “ما كانت الاختراعات الرقمية لتتحقق اليوم لولا الأبجدية”. وفي هذه المرحلة من تاريخ الإنسانية، أصبحنا بحاجة أكثر إلى المبادرات التي تدعم الحوار والتفاعل بين الشعوب والأمم، وبين اللغات والثقافات المختلفة. وبالتالي فإننا نطمح أن تعيد هذه المبادرة للبنان دوره: صلة وصل بين الشرق والغرب.
إن الهدف من هذه المبادرة هو إيجاد الطريقة الأمثل لتتفاعل كل الأبجديات حول العالم من أجل التأسيس للحوار من خلال التعبير العالمي. أما بالنسبة للبنان، فيَهدف حوار الأبجدية إلى منحه ما يحتاج إليه، وأعني بذلك استعادته لسمعته وصورته الإيجابية كأرض للثقافة والحوار والسلام وكشعب متنوع ومتعدد الثقافات يتشارك قيم التسامح والاحترام عبر إيمانه وخبراته ونمط عيشه الفريد. ويهدف كذلك إلى جمع المواهب من مختلف الخلفيات على المستويين الوطني والدولي، وستكون انطلاقة المشروع من المدارس والجامعات كي يشارك الطلاب والتلامذة في مسابقة فنية، تجعلهم مشاركين أساسيين في هذا الحدث العالمي.
وتقوم هذه المبادرة على تجميل الأجزاء المرئية من الهندسة الخارجية بالاستناد إلى تصاميم الأبجدية القديمة والحديثة. وكذلك إنشاء متحف في الطبيعة يؤدي إلى باب ضخم يحمل شعار “حوار الأبجدية” في إشارة إلى حوار الحضارات والثقافات.
نطمح من خلال هذه الفعالية، وبمشاركة وتعاون محافظ بيروت وبلديتها، وتحت مظلة وزارات الثقافة والتربية والسياحة والاقتصاد، إلى الحفاظ على إرثنا من خلال “معرض في الهواء الطلق” بحيث يصبح الفن المعروض وجهة للسواح والزوار. وليتذكر العالم ماضينا ويتخيل أي مستقبل مشرق ينتظر شبابنا والأجيال القادمة.
نحن في منتدى الحوار الوطني نؤمن ونعمل على تأسيس حوار صادق بين الناس من خلال جمع الثقافات المختلفة معاً خدمة للتفاهم والسلام. كذلك نعمل في مؤسسة مخزومي بلا كلل منذ عشرين عاماً لتمكين الناس من خلال التعليم. وأعتقد أن هذا المشروع سينجح ويستمر إلى ما لا نهاية فهو يجمع بين الثقافة والتعليم والاقتصاد، والأهم أنه جزء لا يتجزأ من قيمنا وحضارتنا.
علينا سوياً إعادة صورة لبنان إلى الجوهر انطلاقاً مما اشتهر به أي الأبجدية. فلطالما كان بلدنا مهداً للثقافة والحضارة والمعرفة، وأرضاً تزدهر فيها التجارة. فلنُعد إليه مجده الأول! ليعود لبنان التنوع والحوار، لبنان السلام والعيش المشترك، لنجسد مثالاً ورسالة إلى العالم أجمع في هذه الأوقات الصعبة.
(*) كلمة المهندس فؤاد مخزومي خلال حفل إطلاق حوار الأبجدية في بيت مسك في 29 أيلول 2016.